بحث في أعداد المجلة
الجملة  
المؤلف   
 
المجلد الثالث - العدد 2 - ذي القعدة 1424 - كانون الثاني 2004
 
التقنيات المتناهية في الصغر (النانوتكنولوجي)
Nanotechnology
د. رحاب الصوّاف
Rihab SAWAF
مقال مرجعي

هل تساءلت يوماً عما سيمكن للإنسان أن يفعله في حال السيطرة على الذرة الواحدة وتحريكها بحرية وسهولة ؟
جاء هذا على لسان العالم فاينمان عندما أعلن عن ظهور تقنية حديثة سميت بالتقنية النانوية أو النانوتكنولوجي.
لقد تنبأ العلماء بمستقبل واعد لهذه التقنية التي بدأت بشكل حقيقي عام 1990 والتي باتت الدول الصناعية تضخ الملايين من الدولارات من أجل تطويرها وقد وصل تمويل اليابان لدعم بحوث النانوتكنولوجي لهذا العام إلى بليون دولار أما في الولايات المتحدة فهناك 40.000 عالم أمريكي لديهم المقدرة على العمل في هذا المجال، وتقدّر الميزانية الأمريكية المقدمة لهذا العلم بتريليون دولار حتى عام 2015.

فما هو هذا العلم الذي يُتوقع له أن يغزو العالم بتطبيقاته التي قاربت الخيال ؟

النانوتكنولوجي هو الجيل الخامس الذي ظهر في عالم الإلكترونيات وقد سبقه أولاً الجيل الأول الذي استخدم المصباح الإلكتروني (Lamp) بما فيه التلفزيون، والجيل الثاني الذي استخدم جهاز الترانزيستور، ثم الجيل الثالث من الإلكترونيات الذي استخدم الدارة التكاملية intergrate circuit (IC) وهي عبارة عن قطعة صغيرة جداً قامت باختزال حجم العديد من الأجهزة بل رفعت من كفاءتها وعددت من وظائفها.

وجاء الجيل الرابع باستخدام المعالج الصغير Microprocessor الذي أحدث ثورة هائلة في مجال الإلكترونيات بإنتاج الحاسبات الشخصيةPersonal Computer والرقائق الكمبيوترية السيليكونية التي أحدثت تقدماً في العديد من المجالات العلمية والصناعية.

فماذا عن الجيل الخامس ؟ وهو ما صار يعرف باسم النانوتكنولوجي.

تعني هذه العبارة حرفياً تقنيات تصنع على مقياس النانومتر.
فالنانو هو أدق وحدة قياس مترية معروفة حتى الآن (نانومتر) ويبلغ طوله واحد من بليون من المتر أي ما يعادل عشرة أضعاف وحدة القياس الذري المعروفة بالأنغستروم، وحجم النانو أصغر بحوالي 80.000 مرة من قطر الشعرة، وكلمة النانوتكنولوجي تستخدم أيضاً بمعنى أنها تقنية المواد المتناهية في الصغر أو التكنولوجيا المجهرية الدقيقة أو تكنولوجيا المنمنمات. سمها ما شئت.
وإذا كنت تعتقد أن الأفلام السينيمائية التي تتحدث عن المركبات المصغرة التي تُحقن في الدم (كفيلم الرحلة الفضائية الممتعة) أو فيلم (كان يا ما كان الحياة) واللذان حازا على جوائز الأوسكار هي نوع من الخيال أو ضرب من المستحيل فيجب عليك أن تعيد التفكير.
فمشروع المركبات الدقيقة التي تسير مع الكريات الحمراء أمر محتمل تحقيقه في المستقبل القريب وذلك عن طريق علم النانوتكنولوجي أو التقنية الدقيقة.

فتحويل المواد إلى الحجم الذري سيكون الطريق الجديد لبناء الآلات الدقيقة مثل الروبوتات. وبحسب العالم كريلمان فإن علم النانو يقوم بتوحيد وضم جميع أنواع العلوم باحتمالات لا حدّ لها ولا يمكن التنبؤ بنتائجها. وقد تمكن العلماء اليابانيين من نحت ثور يمكن اعتباره أصغر منحوتة في العالم بحيث يمكن وضع ثلاثين من أقرانه في حيّز لا يزيد قطره عن قطر النقطة واستخدموا لذلك التقنيات الليزرية وكان الهدف من ذلك هو الحصول على مركبة نانوية لاستخدامها في الجراحة الروبوتية الخليوية.

وتعد التطبيقات الطبية لتكنولوجيا المنمنمات من أهم التطبيقات الواعدة على الإطلاق، فمن المحتمل الحصول على مركبات نانوية تدخل إلى جسم الإنسان وترصد مواقع الأمراض وتحقن الأدوية وتأمر الخلايا بإفراز الهرمونات المناسبة وترمم الأنسجة. كما يمكن لهذه المركبات الذكية أن تحقن الأنسولين داخل الخلايا بالجرعات المناسبة أو تدخل إلى الخلايا السرطانية لتفجرها من الداخل وتدعى عندئذ بالقنابل المنمنمة والتي استطاعت أن تطيل عمر الفئران من 43 يوم إلى 300 يوم. أما أجهزة الإستشعار النانوية فباستطاعها أن تزرع في الدماغ لتمكن المصاب بالشلل الرباعي من السير.
كما تم الحصول على طاقم أسنان سيليكوني لا يزيد حجمه عن حجم الخلية يستطيع ابتلاع الكريات الحمراء وقضمها ثم اطلاقها مجدداً إلى الدم بمعدل عشر خلايا في الثانية، ويمكن لطاقم الأسنان هذا أن يساعد على إدخال الأدوية أو الجينات إلى داخل الخلايا وبالتالي يعزز العلاج الخلوي المركز للكثير من الأمراض.
ويتوقع المراقبون أن تؤدي هذه التكنولوجيا الجديدة إلى ثورة غير مسبوقة للتصدي للكائنات الدقيقة حيث يعتمد النانوبيوتكس Nanobiothics وهو البديل الجديد للمضادات الحيوية antibiotics على الثقب الميكانيكي للخلايا الممرضة (الجراثيم أو الفيروسات).

فالنانوبيوتكس Nanobiothics هو ببتيد حلقي ذاتي التجمع، ومُخَلّق صنعياً، من الممكن له أن يتجمع على هيئة أنابيب (نانوتيوب = Nanotubes) أو دبابيس نانوية متناهية في الصغر. فعند دخول ملايين من هذه الأنابيب اللزجة والمكونة من الببتيدات الحلقية داخل الجذر الهلامي للبكتريا فإنها تنجذب كيميائياً إلى بعضها البعض، وتجمع نفسها إلى أنابيب طويلة متنامية ومتجمعة ذاتياً تقوم بثقب الغشاء الخلوي، وتعمل مجموعات الأنابيب المتجاورة هذه على فتح مسام أكبر في جدار الخلية البكتيرية، وخلال دقائق معدودة تموت الخلية البكتيرية نتيجة لتشتيت الجهد الكهربائي الخارجي لغشائها, وهذا ما ينهي حياة الخلية عملياً.
وقد أظهرت هذه التقنية نجاحاً ملحوظاً في القضاء على كل من الجراثيم العنقودية الذهبية المعندة وعصـيات القيـح الأزرق
وغيرها الكثير.
ويتوقع العلماء أن تنجح هذه التقنية النانوية في القضاء على الفطريات أيضاً.
هذا ومن المعروف أن الببتيدات الحلقية الطبيعية المنشأ حققت نجاحاً باهراً في مقاومة الجراثيم ومثال ذلك الباستيراسين الذي غالباً ما يستخدم بشكل موضعي.

وعلى هذا نرى أن مبدأ النانوبيوتكس والنانوتيوب يختلف تماماً عن طريقة عمل المضادات الحيوية والمطهرات وبذلك يصعب على هذه الكائنات أن تطور مناعة ذاتية أو مقاومة. بالإضافة إلى أن طريقة عمل المضادات الحيوية والمطهرات الكيماوية غالباً ما تؤثر على العمليات الإستقلابية لهذه الكائنات الدقيقة، ويتوقع أن تبدأ مثل هذه التجارب السريرية على البشر بعد حوالي 2 - 3 سنوات من الآن ونجاح هذه الطريقة يوفر وبحسب منظمة الصحة العالمية مبلغ عشرة بلايين دولار سنوياً وهي تكلفة معالجة الإصابات الناجمة عن العدوى بالبكتريا المقاومة للمضادات الحيوية.


الهليكوبتر المجهرية

النانوبيوتكس (ا الحلقات الملونة) تدمر خلايا البكتريا


أما تطبيقات النانوتكنولوجي الأخرى فهي كثيرة وواسعة. ويتنافس كل من الجيش الأمريكي ووكالة ناسا على العمل ضمن هذا المجـال فيـأملون في الحصول علـى الملابس التي يمكن تصغير نفسها حتى تكون بمقاس مرتديها، أو يمكنها أن تتصلب عند الخطر لتصبح مقاومة للرصاص واللهب، أو تغير من لونها للتمويه أو التخفي.
ويخشى بعض العلماء من استخدام مثل هذه التقنيات لأغراض لا إنسانية. وبحسب العالم بيل جوي هي تقنية مُبيدة عديدة المخاطر يمكن أن تؤدي إلى ظهور جوو الرمادي، وهو عبارة عن آلة متقدمة تكنولوجياً، دقيقة الحجم، تستطيع أن تستنسخ نفسها كما تفعل الكائنات الحية الدقيقة، وتتحول إلى جحافل من التجمعات الآلية الصغيرة تقتلع أي شيء في طريقها وتبيد كل أشكال الحياة على وجه الأرض. على أن أكثر تخوفات جوي مبالغ فيها، لكن الآمال المعلقة عليها يمكن أن تشوبها المبالغة أيضاً، ولهذا بدأ المستثمرون في وادي السيليكون يبحثون عن آفاق جديدة لاستخدام النانوتكنولوحي.
يتوقع المراقبون أن تُشعل تكنولوجيا النانو سلسلة من الثورات الصناعية خلال العقدين القادمين والتي ستؤثر على حياتنا بشكل كبير.
فمرحباً بكم في عالم متناه في الصغر، عالم النانوتكنولجي.
المراجع References 

1- www.nano-tek.org

2- www.nanoquest. com

3- www.sciam.com/nanotek

4- www .nanospot.org

5- www.nano.org.uk

 
المجلد الثالث - العدد 2 - ذي القعدة 1424 - كانون الثاني 2004
 
 
 
SCLA
   By Platinum Inc.