بحث في أعداد المجلة
الجملة  
المؤلف   
 

المجلد 3 , العدد 8 , جمادى الآخرة 1426 - تموز (يوليو) 2005
 
الأمان الحيويّ في المخابر السريرية
Biological Safety in Clinical Laboratories
د. فـوزة منعـم
Monem F
كلية الصيدلة، جامعة دمشق
الملخص Abstract
Biosafety is the application of combinations of laboratory practice and procedure, laboratory facilities, and safety equipment when working with potentially infectious microorganisms, in order to protect workers, co-workers, lab support personnel, and environment. Biosafety system takes into account the risk groups, biosafety containment levels, risk assessment, medical and health surveillance, biosafety management. While biosafety dealswith all aspects of containment to prevent any exposure to and accidental release of pathogens, biosecurity is implemented to prevent the theft, misuse or intentional release of pathogens.
المقدمة Introduction 
الحياة هبةٌ من الله عظيمةٌ، وحقٌّ رفيع الشأن لمن جعله الله في الأرض خليفةً؛ لذلك وجبت حمايتها وتأمين سلامتها لكلِّ إنسانٍ على وجه البسيطة، وهذا الوجوب ملزِمٌ لكلِّ فردٍ بأن يصون نفسه ومجتمعه من الضّرر والأذيّة، ومؤكّدٌ للدولة واجبها أن ترعى أمان الفرد والمجتمع، وتحرسه من تجاوز القواعد المرعيّة. إنّ هذا المعنى الكبير الذي انطوى عليه القانون رقم 49 تاريخ 17 / 11/ 2004 في موادّه عامّةً، وفي فصله الخامس المعنيّ بالنفايات الطبية خاصّةً، قد مسّ بعمقٍ واقعنا الحياتيّ والمهنيّ الذي نعيش، وحثّنا على إثارة قضية الأمان الحيوي Biosafety.  
الأمان الحيوي Biosafety 
احتاج هذا المصطلح فترةً من الزمن حتى تبلورت مضموناته ومفاهيمه التي نجمت منذ عام 1941 عن مشاهداتٍ لحالاتٍ وإصاباتٍ خمجيةٍ للعديد من الأفراد ذوي الصلة بالمخابر الطبية، انتهت بالموت غالباً. حينها بدأ استخدام مصطلح "الخطر الحيوي Biohazard"، ومن ثَمَّ شعر المهتمّون بضرورة إيجاد الحلول، وبدأوا بتشكيل اللّجان على مستوياتٍ وطنيةٍ ودوليةٍ لوضع تعاريفَ ومضامينَ ومعاييرَ لمفهوم الأمان الحيوي Biosafety.
الأمان الحيوي بالتعريف هو تطبيقٌ لمجمل الممارسات والإجراءات في المنشآت المخبرية باستخدام وسائل الأمان المخبري عند التعامل مع الأحياء الدقيقة ذات القدرة الخامجة أو منتجاتها بهدف حماية صحّة العاملين في المخبر، ومن يتّصل بهم، وسلامة البيئة المحيطة (الشكل 1).  

الشكل 1: وسائل الأمان الحيوي المستخدمة عبر المراحل المتزايدة الخطورة للخمج
وقد يسأل سائل: لماذا نطبّق الأمان الحيوي؟
الجواب سهلٌ ممتنعٌ؛ فمن اللازم والضروري أن يتمّ الالتزام بممارسات الأمان الحيوي لحماية جهاتٍ عدّة: العاملين الأساسيين، ومن يتّصل بهم من أفراد أسرهم، ومساعديهم، والكوادرِ الإداريةِ والخدَميةِ العاملةِ في هذه المنشآت، إضافةً إلى حماية البيئة والمجتمع.
إن الأمان الحيوي مفهومٌ شاملٌ يتضمّن في تفاصيله مفاهيمَ عديدةً متيحاً لمن يطبّقه إدراك مواطن الخطر، ووعياً كاملاً لعواقب التعرّض لها، وامتلاكَ الحوافز للتدرّب على الممارسات التي تؤدّي لتجنّبها وتفاديها. ولقد حاز الأمان الحيوي على اهتمام الدول المتقدّمة، والمنظّمات الدولية المهتمّة بالصحّة والبيئة، ورسمت كلٌّ منها قوانينَ وملاحقَ فنّيةً تابعةً، وذلك حسب معطيات ظروفها وبيئاتها، وممارسات العمل المخبري والطبي فيها، وعمّمت كذلك أدلّةً إرشاديةً guidelines manuals تحوي الخطوات التفصيلية لتطبيق الممارسات المخبرية الآمنة، وأكّدت على أنّه يترتّب على كلّ دولةٍ أن تحدّد معايير الأمان الحيوي الخاصة بها حسب ظروفها المحلّية.  
معايير الأمان الحيوي 

1. مجموعات الخطورة Risk Groups
صُنّفت الأحياء الدقيقة مخبريّاً في أربع مجموعات تبعاً لمدى إضرارها بالمتعرّض لها، واحتمال سريانها في المجتمع. إنّ المعايير المعتمَدة لتحديد مجموعة الخطورة التي ينتمي إليها متعضٍّ دقيقٌ بعينه تقوم على خصائص هذا المتعضّي من حيث الإمراضية، والجرعة الخامجة، وطريق العدوى، والمضيف، وتوفّر أساليبَ فعّالةٍ للوقاية والعلاج. إن هذا التصنيف التقليديّ لا يُعنى بأصول التعامل الفعليّ مع مكامن الخطر الحيوي، ولكنّه يُسهم في تقديرها بعد الأخذ بعين الاعتبار لعواملَ إضافيةٍ أخرى.

2. مستويات الأمان الحيوي Biosafety Levels
للأمان الحيويّ مستوياتٌ أربعةٌ (الجدول 1)؛ في كلٍّ منها وصفٌ لحدّ الحماية الأدنى المطلوب للتعامل مع الأحياء الدقيقة في المخبر بأمانٍ بهدف التشخيص، أو البحث، أو التعليم، أو الإنتاج، بشكل يضمن حماية طاقم العمل المخبري والمحيط الخارجيّ كليهما. تتدرّج هذه المستويات تصاعديّاً في صرامة توصياتها من حيث:
1. الممارسات والتقنيات المخبرية: إذ لا بدّ من توعية العاملين بمكامن الخطر، واكتسابهم المهارات في التعامل معها، وعلى كلّ مخبر أن ينشئ دليله الإرشاديّ الخاصّ بالأمان الحيوي ويحدّثه دوريّاً للزيادة والتنقيح.
2. وسائل الأمان: مثل وسائل الحماية الشخصية personal protective equipment كالقفازات، والرداء، والكمّامة، والنّظّارات الواقية، وغيرها؛ إضافةً إلى خيمة العزل بأنواعها الثلاث، وأوعية التثفيل الآمن من الرذاذ.
3. تصميم المنشأة وبنيتها: من حيث عـزل
منطقة العمل المخبري، ووسائل التعقيم، وأنظمة التهوية، وذلك تبعاً لمدى خطورة انتقال العوامل الخطرة ونفاذها إلى البيئة.

ماذا عن المخابر السريرية؟
يتلقّى المخبر السريري كلّ يوم العديد من العينات الحيوية التي لا يعلم طبيعتها الخامجة! ولذلك فإن مستوى الأمان الحيوي 2 عموماً هو المختار عموماً للتعامل مع جميع هذه العينات بأمان، وهذا يتطلّب الالتزام ببعض الممارسات المخبرية الواقية، واستخدام بعض وسائل الأمان كما هو ملخَّصٌ في الجدول 2 دون الحاجة إلى تصميم إنشائيٍّ في بنية المخبر وهيكلته.

3. تقدير الخطورة Risk Assessment
يُعَدّ تقدير الخطورة هيكلَ الأمان الحيوي، والخطوةَ الحرجةَ في اختيار مستوى الأمان الحيوي Biosafety Level المناسب للعمل المخبري المعنيّ. ولا بدّ أن تُقدَّر الخطورة محلّيّاً بالتفصيل، وأن يقوم بذلك مجموعة أفرادٍ تتنوّع خبراتهم ومسؤوليّاتهم انطلاقاً من تصنيف المتعضّي ضمن مجموعات الخطورة الآنفِ ذكرُها، وإضافةً إلى عوامل أخرى لا بدّ منها كاحتمال تشكّل الرذاذ، والكمية، والتركيز، والثباتية في المحيط الخارجي، ونمط العمل المخبري، واستخدام المتعضّيات المعدَّلة وراثياً (المأشوبة) recombinant organisms.

4. الإشراف الطبي والصحي
تملي طبيعة التعامل مع مكامن الخطر الحيوي ضرورة اتّباع برنامج المتابعة الطبية والصحية للعاملين اعتماداً على تقدير الخطورة. يتضمّن هذا البرنامج التقييم قبل التوظيف، وأرشـفة العيـنات والمعطـيات،
والمتابعة الدّورية مع حفظ العيّنات المختبَرة، وإجراءات الوقاية والعلاج؛ ويهتمّ كذلك بأولئك الذين يتعاملون مع متعضّياتٍ عالية الخطورة آخذاً حالتهم المناعية بعين الاعتبار.  

WHO, Laboratory Biosafety Manual, 3rd edition, 2004, p2.


WHO, Laboratory Biosafety Manual, 3rd edition, 2004, p3.
5. إدارة الأمان الحيوي
يتمّ تحديد الهيكل الإداري للأمان الحيوي محلّيّاً في كلّ منشأة تبعاً لخصوصيّتها، وغالباً ما يوصى بتشكيل لجنةInstitutional Biosafety Committee متنوّعة الخبرات تشرف على برنامج الأمان الحيوي المتَّبَع في المنشأة، إضافةً إلى تعيين ضابط للأمان الحيوي Biosafety Officer ذي خبرةٍ عمليّةٍ بالممارسات والإجراءات المخبرية التي تتمّ ضمن المنشأة ليكون أميناً على حسن تطبيق تعليمات الأمان الحيوي المقرَّرة، ومتواصلاً مع اللجنة في اجتماعات دوريّة منتظمة لبحث المشكلات واقتراح التحسينات، مزوِّدةً إيّاه بما يلزم من تقدير الخطورة، وحلّ كلّ جدلٍ يتعلّق بالأمان الحيوي.

ما هي المسائل المنوطة بإدارة الأمان الحيوي؟
1. تنظيم البرامج التدريبية.
2. إجراء تقدير الخطورة.
3. مراقبة فعالية برنامج الأمان الحيوي ونظامه الإداري دوريّاً.
4. المساهمة في تحرّي الحوادث والحثّ على التبليغ عنها.
5. نشر ما جدّ من معلوماتٍ في الأمان الحيوي.
6. تنسيق إجراءات التعقيم ورمي النفايات (مستنبتات متعضّيات ممرضة، دم، أدوات حادّة، زجاج، وغيرها) ومتابعتها.
7. تنسيق استلام العينات الحيوية ونقلها وشحنها.
8. إنشاء أنظمةٍ لحفظ السجلات وأمن التخزين لجميع العيّنات الواردة للمنشأة.
9. تنسيق فعاليات الاستجابة للطوارئ... وغيرها.

6. الأمن الحيوي Biosecurity
يختلف هذا المصطلح في مفهومه عن مصطلح الأمان الحيوي Biosafety؛ فبينما يتعلّق هذا الأخير بمفاهيم الحماية من التعرّض للعوامل الممرضة أو تسرّبها العرَضيّ، يُعنى الأمن الحيوي Biosecurity بمنع السرقة أو إساءة الاستعمال أو التسريب المقصود لهذه العوامل الممرضة.
توضَع خطة الأمن الحيوي بناءً على خصوصية المنشأة، واعتماداً على تقدير الخطورة، متضمِّنةً الوقاية الفيزيائية، وموثوقية الطاقم المعنيّ، والقيود المستودعية للعوامل الممرضة، والاستجابة للطوارئ. إنّ البحث في هذه المسائل يقع على عاتق مجموعة أفرادٍ من مختلف الفئات العلمية والبحثية والإدارية والقانونية، إضافةً إلى موظّفٍ مسؤولٍ Responsible Official (RO) عن خطط التطوير، والتدريب، وتوفير وسائل الأمان والأمن والاستجابة للطوارئ ؛ ويبلَّغ شخصيّاً عن أي سرقةٍ أو ضياعٍ أو تسريب للعوامل الخطرة حيوياً، وهو المسؤول كذلك عن السماح بكلّ فعاليات استخدام العوامل الممرضة ونقلها في المنشأة وفق سجلاتٍ مفصَّلةٍ.  

وفي الختام، أين نحن من هذا الخِضَمّ؟
ما زالت الممارسة المخبرية في مخابر التحاليل الطبية تفتقر إلى القواعد النّاظمة والأدلّة الإرشادية المعنيّة بالأمان الحيوي، ولذاك فإنّه بات من الضروري تشكيلُ لجانٍ منبثقةٍ عن هيئة المخابر الطبية مؤلَّفةٍ من خبراءَ عارفين بالإجراءات والممارسات المخبرية لوضع هذه الأدلّة والضوابط، وتحسينها باستمرارٍ من جهة، وللسهر على تطبيقها من قبل المخابر، وتقويمِ من يحيد عنها من جهة أخرى، علّها تكون لبنةَ أساسٍ تنطلق منها لجان الأمان الحيوي في المشافي والمنشآت الصحية تبعاً لظروفها وخصوصيّاتها مستعينين بتوصيات المنظّمات الدّولية كمنظمة الصحة العالمية.
إن التوعية بمكامن الخطر، والتدريب على وسائل تجنّبها، والتحقّق الدّوريّ من الالتزام بقواعد الأمان الحيوي حتمٌ لازمٌ حتى يتبنّاها العاملون في المخابر الطبية عادةً تلقائيةً ضمن سير ممارساتهم الحياتية اليومية، خاصةً وأن معظم المخابر الخاصّة تتغلغل في الأحياء السكنية، وهذا يتطلّب المزيد من الحذر والوعي لهذه المخاطر الحيوية التي تهدّدنا وأسرَنا ومجتمعَنا تحت وطأة الغفلة والإهمال، وتُلقي على عاتقنا تكاليفَ باهظةً نحن عنها في غنىً، ولنذكر دائماً أنّ تطبيق الأمان الحيوي بأسره لا يعدل كلفة معالجة مريض واحد كان ضحيّة عدم الالتزام بمضامين الأمان الحيوي، فدرهم الوقاية خيرٌ من قنطار علاج.

تنويه:
أشكر الزميلة ص. وفاء الحبّال لمساعدتها في إعداد هذه المقالة.  
المراجع Reference 
1-CDC, Biosafety in microbiological and biomedical laboratories, 4th edition, 1999.

2-Health Canada, The laboratory biosafety guidelines, 3rd edition, 2004.

3-Health & Safety Commission, Safety in health service laboratories, Safe working and the prevention of infection in clinical laboratories, 1st edition, 1991.

4-WHO, Laboratory Biosafety Manual, 3rd edition, 2004.  
 
المجلد 3 , العدد 8 , جمادى الآخرة 1426 - تموز (يوليو) 2005

 
 
SCLA
  ©  2003 - 2005    SCLA All rights reserved By Platinum Inc.