المجلد 4 ,
العدد 3
, رمضان 1427 - تشرين الأول (أكتوبر) 2006 |
حين اكتشف العالم البريطاني جون مارشال مدينة موهنجو دارو في الهند، وجد من الآثار ما يشير إلى أن سكان الهند عرفوا خصائص الأربطة العضلية والضفائر العصبية، وكان لديهم أكثر من ألف نوع من النباتات الطبية. وتشير جميع المؤلفات التي تعنى بتاريخ الطب إلى دور العرب الرائد في حركة الترجمة والتأليف، ونقل الحضارات الأخرى كالحضارة الصينية والهندية والفارسية، ولم يقتصر دور علمائنا الأجلاء على النقل والترجمة، بل أضافوا إليها لمسة من حضارتهم وتراثهم التليد، وبرعوا في شتى أنواع العلوم، فكان منهم فلاسفة كبار أمثال ابن رشد، ومنهم علماء فلك وكيمياء ونبات، أمثال ابن البيطار، وابن القف، ورشيد الدين ابن الصوري، الذي اشتهر بكتابه عن نباتات جبل لبنان، حيث رصد ورسم تلك النباتات، لكن مع الأسف اندثر قسم كبير من مؤلفه هذا ولم يصل إلينا إلا النذر القليل.
وكانت التحاليل المخبرية للبول والقشع من أهم الخطوات التي كان يتبعها الطبيب آنذاك قبل الولوج إلى الفحص السريري في مفهومنا الحاضر، وكان أبو بكر الرازي الملقب بأبي قراط العرب قد زاره أمير مدينة الري شاكياً من نفث الدم، فاحتار هذا الطبيب العالم في أمره، وطلب منه أن يأتي في اليوم التالي، وهي فرصة للرازي للتفكير والتأمل في حالة مريضه، فالدم قان وعندما هلّ الصباح سأل الرازي المريض إن تناول شيئاً أثناء سفره، فأجاب بأنه شرب من ماء آسن، وذهب تفكير الرازي إلى وجود علقه في الماء، وتثبتت في أمعاء المريض، وسببت له هذا النزيف فأحضر، الرازي نوعاً من الشيبيات، وأدخلها في فم المريض عنوة حتى تقيأ وخرجت العلقه وانتهى نفث الدم.
كما كان فحص قارورة البول ملازماً لفحص المريض حيث لا يتم التشخيص إلا بعد الاطلاع على لون البول، وكثافته ورائحته وطعمه. كما تم وضع البول على رمل يحتوي على النمل الذي يعشق الغلوكوز بالمقارنة مع رمل شاهد حيث تجمع النمل على الرمل الحاوي على البول السكري.
إن التهابات المثانة تحدث آلاماً مضنية وغالباً ما تصبح معندة على العلاج، حيث استطاع العلماء العرب تشخيص الالتهابات من عكر البول، واستخدم أبو بكر الرازي زيت الورد، ممزوجاً مع الأفيون لمعالجة التهابات المثانة، مستفيداً من الخاصة المطهرة للزيت العطري، والخاصة المسكنة للألم التي يتمتع بها الأفيون.
ومن الطريف أن يجد العالم Davaine في عام /1878/ أن عصارة الجوز التي تمزج مع دم حيوان مصاب بالجمرة الخبيثة Maladie de charbon تفقد تأثيراتها المرضية بعد حقنها لخنزير الهند.
إن التطور الهائل والسريع الذي تم في مجال التشخيص المخبري لا ينسينا أبداً الجهود الخيرة التي بذلها العلماء عبر العصور والتي تهدف بالأساس إلى إدخال الطمأنينة في قلوب المرضى والسكينة في الجوارح والأكناف، وهذا هو سعينا الحثيث وقد اخترنا هذا الطريق وتلك المهنة النبيلة لخدمة الوطن والمواطن والله ولي التوفيق.
دمشق – تشرين الأول (أكتوبر) 2006
الأستاذ الدكتور أحمد سمير النوري
نقيب صيادلة سورية  
|
|
المجلد 4 ,
العدد 3
, رمضان 1427 - تشرين الأول (أكتوبر) 2006 |
|
|
|