المجلد 4 ,
العدد 6
, جمادى الآخرة 1428 - تموز (يوليو) 2007 |
بالرغم من ضيق الوقت ووجوب الإقلال من الكلمات، إلا أنني قررت أن أنتقل مع الزملاء عبر العقود الماضية لنرى سوية كيف كان علم التشخيص المخبري، وكيف تطورت وسائله ومفاهيمه وأدواته وأجهزته وطرق التشخيص.
أغلب الزملاء المحترمين يذكرون كيف تعلمنا في كلية الصيدلة طريقة فولان فو لمعايرة سكر الدم، واستعمال جهاز ديبوسك اللوني لقياس شدة اللون الناتج عن التفاعل، ومقايسة البولة الدموية باستعمال مقياس ايفون الزئبقي الحجمي، وكيف ننسب الحجم إلى مقدار البولة في الدم.
كان التشخيص المخبري في تلك الحقبة من التاريخ يعتمد على إجراء فحص البول والبراز وتفاعل فيدال وعلى تعداد الكريات البيض والصيغة والكريات الحمر والخضاب والهيماتوكريت وسرعة التثفل؛ والفحوص الكيميائية بالدرجة الأولى على معايرة السكر والبولة وأحياناً حمض البول والكوليستيرول أو (شمع المره). ومع الدخول إلى خضم الحياة المهنية وبعد انضمامي إلى القوات المسلحة كان لي شرف الخدمة مع اللواء الدكتور ميشيل سابا في مختبر مستشفى يوسف العظمة (المزة) حيث تعرفنا وتعلمنا على يديه على مقياس اللون الطيفي بوش لومب 20، الذي كان يستعمل في أغلب المخابر والمستشفيات لكونه مع كتاب الاستعمال يقدم الطرق لكل مَعلَم يمكن أن يعاير في الدم أو المصل مع طرق تحضير الكواشف، ويتم الحصول على النتائج من قراءة مقدار الضوء النافذ التي تظهر على الشاشة التي تترجم إلى مقادير رقمية وعلى مسؤولية الشركة الصانعة. وتعلمنا أيضاً استعمال مقياس اللهب لمعايرة الشوارد، والذي كان يصل صوته إلى غرفة مدير المستشفى، وأيضاً إجراء الرحلان الكهربائي لبروتينات المصل. كانت المخابر العامة والخاصة تقوم بتحضير كواشفها وفق الطرق التي تختارها ومن مصادر متنوعة للمواد الأولية، وكان هذا سبباً رئيسياً لاختلاف النتائج بين المخابر.
لقد استفادت الشركات المصنعة وعلم الطب المخبري من التقدم والتطور الذي حصل في العلوم الأخرى: الكيمياء والفيزياء والميكانيك والكهرباء، وتطورت الطرق والأجهزة والوسائل المستعملة في علم التشخيص المخبري، ورأينا أن الطرق والأجهزة المخبرية للقياس التي يجب استعمالها ينبغي أن تتمتع بالدقة والاحكام والنوعية والحساسية والتكرارية والموثوقية.
نظرة مقارنة بسيطة لما كان عليه حال الطب المخبري في بدايات نصف القرن الماضي والتطور السريع الذي حصل في فترة السبعينات مع التوقعات المستقبلة لهذا العلم الذي كبر وتشعبت طرقه ومفاهيمه التشخيصية، والحاجة الضرورية لها. نجد أن الفجوة كبيرة وتزداد اتساعاً وتباعداً ونحن نجد أنفسنا أحوج ما نكون إلى تطوير معلوماتنا ومعرفتنا، وهذا يحتاج إلى جهود ومثابرة وتعاون فيما بيننا لأن هذه الوسائل والأجهزة والطرق الحديثة ذات تكلفة عالية، وتحتاج إلى زيادة رأس مال المستثمر للعمل المخبري.
في فترة السبعينات تداعت وتلاقت مجموعة خيرة من العاملين في حقل التشخيص المخبري في مدينة دمشق، تعاونوا فيما بينهم لإنشاء هيئة مخابر للتحاليل الطبية، مهمتها تطوير آفاق العمل المخبري، بإقامة المحاضرات والمؤتمرات العلمية والتشجيع على استعمال طرق التحليلية الحديثة واستبدال الطرق التقليدية بالطرق الإنزيمية، وطرق معايرة الإنزيمات اللونية بالطرق الحركية، وطرق معايرة الهرمونات باستعمال الطرق المناعية الاشعاعية. وعملت الهيئة على إنشاء صندوق تعاوني مشترك لجميع العاملين في مجال التشخيص المخبري، وكان من أهم انجازاته منع المضارية بالأسعار، وإلزام الجميع بالتعرفة الصادرة عن وزارة الصحة وبالتنسيق مع هيئة المخابر.
لقد كبر العبء العلمي على هيئة المخابر نتيجة التطور السريع في حقل التشخيص المخبري وتم إقامة مشروع تأكيد ضمان الجودة الخارجي وعلى نفقة الهيئة وصدر القرار التنظيمي رقم 6987 لعام 1995 القاضي بإلزام كافة المخابر المشاركة في هذا البرنامج وفي المادة 19 من النظام الداخلي المصدق التي نصت "أنه على كافة المخابر الأعضاء في الهيئة العامة تطبيق أنظمة الجودة الكاملة الداخلية والخارجية".
وتزايدت مطالبة الزملاء أعضاء الهيئة العامة في الفروع وأعضاء المؤتمر العام من أجل البدء بإقامة برنامج للتعليم المستمر، وفعلاً تم البدء بإلقاء العديد من المحاضرات في فرع مدينة دمشق وفروع المحافظات، ونجح البرنامج في بعض الفروع وتعثر في بعضها ولكن البرنامج مستمر لتحقيق الهدف الذي انشئ من أجله. وقد يكون أهم انجاز نجحت هيئة المخابر في تحقيقه هو إصدار مجلة التشخيص المخبري التي أصبحت محكمة ومعترف بها بفضل المتابعة والمثابرة من رئيس وأسرة هيئة تحريرها في كل المحافظات، وقد نجحت المجلة في جذب قرائها بفضل المواضيع والأبحاث التي تهم القارئ المتعطش لنيل العلم واكتساب المعرفة.
بعد هذه الجولة القصيرة مع الزملاء وتوقفنا وقفة تأمل إلى واقعنا العلمي الحالي ونظرنا إلى التطور المستقبلي المتوقع لعلم التشخيص المخبري وتفرعاته المتعددة التي يتوقع أن يكون كل فرع منها علماً تشخيصياً بحد ذاته. نجد أننا أحوج ما نكون إلى الإكثار من الاضطلاع والمتابعة وعلينا جميعاً بذل الجهد لتطور مجلة التشخيص المخبري، ورفع سوية برنامج التعليم المستمر وتحريكه. وواجب علينا تقديم الشكر الجزيل لكل زميل ساهم ويسعى إلى تطوير معلوماتنا وفكرنا للمستقبل.
|
دمشق- تموز (يوليو) 2007 |
الدكتور محمد نجار التيناوي
رئيس فرع دمشق لهيئة مخابر التحاليل الطبية
|
|
المجلد 4 ,
العدد 6
, جمادى الآخرة 1428 - تموز (يوليو) 2007 |
|
|
|