بحث في أعداد المجلة
الجملة  
المؤلف   
 

المجلد 4 , العدد 8 , ذو الحجة 1428 - كانون الثاني (يناير) 2008
 
الخَطْماء الخَرِيْفيّة في سورية
Trombicula autumnalis in Syria
أ. د. محمد طاهر أسماعيل و د. عبير الكفري
Ismail M. Taher and Al-kafri Abeer
كلية الطب البشري، جامعة دمشق
الملخص Abstract
الخَطْماء الخَرِيْفيّة هي قُرّاديّات، ذكرت في أوروبا فقط. ولكن نسجل في هذا البحث وجودها لأول مرة في سورية بمحافظة السويداء. تؤدي هذه القُرّاديّات في أوروبا إلى مرض يدعى الداء الأحمري لقاطفي العنب. يتظاهر بلدغات على الجلد تأخذ شكل طفح جلدي مميز يظهر في نهاية الصيف عند قاطفي العنب.
إن يرقات هذه القُرّاديّات هي التي تسبب اللدغات حيث تشكل قناة نسيجية بفعل هضمها لأنسجة الجلد. تتكاثر اليرقات في عناقيد العنب ويصاب جلد الإنسان عند سقوط هذه اليرقات أثناء جمع العنب.  
Trombicula autumnalis is an acarians and it is recorded only in Europe. However, here in this search we could record its existence for the first time in Alsoedaa province in Syria. In Europe, the Acarians cause a disease called the erythema of autumnal or erythema of grape-collectors. This diseases appears as a red welt on the skin as an erythema in grapes-collectors.
The larva of this acarian causes an erythema by forming a histosiphon in the skin through partially digested skin. This larva lives in grapes attacking human/worker who collect it.  
التعريف والتوزع الجغرافي 
الخَطْماءTrombicula هي قُرّاديّات تنتمي لعائلة الـ Trombidiform ويُطلق عليها أسماء عديدة كالخَطْماء الحمراء Red bugs بسبب لونها الأحمر وكذلك Harvest mites أو Scrube itch mites (4) الشكل 1. يختلف التـوزع الجغرافي لهذه القـرادة من منطقة لأخرى لأنه يعتمد على عوامل بيئية محددة كالحرارة ودرجة الرطوبة، لذا نشاهد مناطق تتواجد فيها بغزارة وأخرى تكون غائبة. وقد ذكر وجودها في مناطق عديدة من العالم بعض منها ينقل الحمى المنقولة بالقراد Typhus Scrub كالـ T. Akamushi في اليابان و T. pallida في كوريا و T. wichmanni في أندونيسيا و T.deliensis في الهند (9)، والبعض الآخر لم يعرف نقلها للأمراض كالخَطْماء الخَرِيْفيّة T. autumnalis (2)، الذي ينتشر في أوروبا ولم يذكر وجوده في الشرق الأوسط وهو موضوع بحثنا هذا. 

الشكل 1: بالغة الخَطْماء.
الشكل المورفولوجي: 
تُعرف الخَطْماء الخَرِيْفيّة بلونها الأحمر المميز ويغطي جسمها عادة أشعار قصيرة. تقيس البالغة حوالي 2 ملم ولها جسم بيضوي غير مقسم، يحمل أربعة أزواج من القوائم، وحيزوم أمامي يحوي على زوج من القرينات Chelicerate تحيط ببلعوم. أما اليرقات فهي صغيرة جداً تكاد لا ترى، لونها بيضاء إلى أرجوانية محمرة، وتقيس 225 ميكروناً وتحمل ثلاثة أزواج من القوائم، ولها درع ظهري عليه أشعار مسننة مميزة لها (الشكل 2).
دورة الحياة:
تقسـم دورة حيـاتها إلى ثلاث مراحل (8):

1- الحياة الحرة في التراب:
تعيش القُرّاديّات البالغة في فصل الشتاء قريبة من الأرض، ويمكن أن تندس بشكل خفيف تحت التربة وفي الأماكن المحمية. تصبح الإناث ناضجة وفعالة (نشيطة) في الربيع إذ تضع أكثر من 15 بيضة في اليوم، وذلك على أوراق الشجر أو بالقرب من جذور النباتات وخاصة دوالي العنب. تفقس البيوض لتعطي يرقات لها ثلاثة أزواج من القوائم تتجمع بشكل مجموعات صغيرة، تبدأ بتسلق الأعشاب والنباتات الصغيرة وهي تعيش بين ثمار العنب لتكون قريبة من المضيف الذي ستتطفل عليه لتناول وجبتها الغذائية.

2- الحياة الطفيلية:
تهاجم اليرقات البشر والحيوانات ذوات الدم الحار والطيور والثعابين وضفدع الطين والدواجن حيث تأخذ وجبتها الغذائية، ويبلغ طول اليرقة الصائمة حوالي 225 ميكروناً ويصل طولها بعد الوجبة الغذائية إلى أكثر من 800 ميكرون (الشكل 2)، وبعد أن تمتلىء اليرقة وتنتهي من وجبتها التي تستمر من 3–4 أيام تسقط عن المضيف (7).

3- الحياة الحرة في التراب:
تُتم اليرقات دورة حياتها بعد أن تسقط إلى الأرض وتنسل ضمن التربة وبعد 5-6 أسابيع تتحول إلى حوراء ذات ثمانية قوائم ولكنها غير ناضجة جنسياً تنسلخ بعد ذلك لتتحول إلى بالغة ذكر أو أنثى.
تستغرق دورة الحياة حوالي 50-70 يوماً ويمكن للإناث أن تعيش ما يقارب العام تنتج خلالها عدة أجيال في المناخات الدافئة. تنشط عادة حركة البالغات خلال النهار في الأيام المشمسة الدافئة، وتهجع في الأيام الرطبة الباردة، وهذا ما يوافق نشاط البشر والحيوانات.  

الشكل 2: A يرقة صائمة، B يرقة بعد التغذية.


الشكل 3: اليرقة المثبتة على الجلد.
تغذية الخَطْماء: 
تتغذى الخَطْماء البالغة والحوراء على العصارات النباتية أو الحشرات الصغيرة (مفصليات الأرجل المجهرية الموجودة في التربة) ولا تتطفل على الإنسان مطلقاً، بينما تتطفل اليرقات على الإنسان والحيوانات المذكورة آنفاً.
تلدغ اليرقات خاصة في بداية النهار ونهايته ويكون نشاطها في اليابان من حزيران إلى نهاية تشرين الأول لذلك تظهر الأمراض المنقولة بها في فصل نشاط القراد، بينما في المناطق الحارة والرطبة فتشاهد في كل أشهر السنة وبالتالي تبقى الأمراض المنقولة بها طوال السنة.
تتثبت اليرقة على جلد الإنسان بوساطة الحيزوم الفموي حيث تغرز هذا الحيزوم في الجلد بمساعدة القرينات (الشكل 3)، وتلعب سماكة جلد المضيف دوراً هاماً في تثبت اليرقات إذ كلما كان رقيقاً كلما ساعدها على التثبت. يكون هذا الاختراق مؤلماً ولاتصل الأجزاء الفموية إلى الدم لأن اليرقة لا تتغذى عليه بل أنها تحقن لعاباً يحوي على إنزيمات هاضمة، وحالَّة للأنسجة الخلوية فتصبح هذه الأنسجة في منطقة اللدغة سائلة رخوة قابلة للرشف، وينتج عن ذلك بين الأنسجة المهضومة والمنطقة الطبيعية من الجلد المحيطة قناة نسيجية Histosiphon تنزح عبرها السوائل الخلالية اللمفية التي تقوم اليرقة بامتصاصها بوساطة خرطومها الفموي الذي تستخدمه كمصاصة (شلمونة) وبذلك تحصل على وجبتها الغذائية (1). تبقى اليرقة في حالة تطفل على الإنسان من 3-4 أيام ومن الصعب رؤيتها بالعين المجردة على جلده وهي لا تسقط أثناء الاستحمام.  
طريقة إصابة الإنسان بالخَطْماء 
تزرع دوالي العنب في أوروبا على شكل صفوف طولية حيث تتسلق نباتات العنب على شبكة أسلاك معدنية بطول الإنسان (5). عندما ينضج العنب في فصل الخريف (ومن هنا أتت تسميتها بالخَطْماء الخَرِيْفيّة) فإن أغلب عمال قطف العنب يضعون السّلال (سلة قش) على ظهورهم ثم يقطفون العنب ويرمونه وراء ظهورهم إلى السلة لجمعها (الشكل 4)، تعيش يرقات الخَطْماء الخَرِيْفيّة كما ذكرنا سابقاً بخاصة في عناقيد العنب وبهذه العملية تسقط اليرقات على العامل وتزحف تحت ثيابه أو فوقها حتى تجد منطقة تكون الثياب فيها مشدودة على الجسم (كخط الحزام عند الخصر، خط المعصم، كاحل القدم أعلى الجوارب، قرب الإبطين) وهنا تتثبت اليرقة وتبدأ بلدغتها وأخذ وجبتها الغذائية.
أما أنواع الخَطْماء الأخرى فإن اليرقات تتسلق الأعشاب القصيرة وتهاجم الإنسان وخاصة أقدامه عند الكاحل (الشكل 5) حين مشيه أو جلوسه أو استلقائه. وتفضل اليرقات التطفل في الأماكن التي يكون فيها الجلد رقيقاً وطرياً كالوجه الأنسي للساعد والوجه الخلفي للركبة والوجه الأمامي للحفرة المرفقية وفي منابت الشعر والثديين.  



الشكل 4: إصابة الإنسان بيرقات الخَطْماء عند عمال قطف العنب في أوروبا.

الشكل 5: لدغة الخَطْماء الأكاموشية للوجه العلوي للقدم.
إمراضية الخَطْماء: 
تنقل بعض أنواع الخَطْماء حمى التيفوس المنقولة بالقراد Scrub typhus والتي سببها الريكتسيات. تتكاثر هذه الجراثيم في القرادة وتشاهد بأعداد كبيرة في الغدد اللعابية لذلك تنتقل إلى الإنسان عن طريق اللدغة (6).
لا تختفي هذه الجراثيم أثناء الانسلاخات المتتالية من اليرقة إلى البالغة، إنما تورثها إلى البيوض ولكن بنسب غير معروفة بدقة (4). أما اليرقات السليمة غير المخموجة بالجراثيم فإنها تأخذ الجرثوم عن طريق لدغها لمختلف الخوازن الجرثومية الموجودة في الطبيعة (ثدييات أو طيور).
يصاب بهذه الجراثيم الأشخاص الذين يعملون في الحقول أو في الغابات ومن لهم احتكاك مع الزراعة (3)، وعلى العكس من النادر أن يصاب الأطفال والنساء الذين يبقون في بيوتهم، لذلك يُعد مرض التيفُوس المنقول بالقراد مرضاً مهنياً. أما الأنواع التي لم يُعرف نقلها للجراثيم كالخَطْماء الخَرِيْفيّة فان اللدغة تؤدي إلى حكة مزعجة جداً يمكن أن يعقبها خمج ثانوي في مكانها ويسبب هذا النوع من الخَطْماء في أوروبا مرضاً في نهاية الصيف يدعى الداء الأحمري لقاطفي العنب، إذ يشاهد عند الأشخاص الذين يقومون بقطف العنب حطاطات صغيرة محمرة، حاكة بشدة تمنع الإنسان المصاب من النوم نتيجة لدغ اليرقات (3)، وقد يحدث حمى تتطور خلال ست ساعات إلى ثلاثة أيام بعد اللدغ وقد تستمر أسبوعاً (الشكل 6).  

الشكل 7: دوالي العنب في السويداء، مكان تكاثر الخَطْماء.
التشخيص:  
من الصعب تشخيص لدغات الخَطْماء الخَرِيْفيّة ولكن هناك عناصر موجهة وهي التوضعات الجلدية المميزة والتي ذكرناها سابقاً والمميزات الفصلية (الخريف) وطبيعة عمل الإنسان.  
المعالجة والوقاية 
تُعد مكافحة الخَطْماء صعبة حتى في المناطق التي ينحصر فيها القراد لأنّ المبيدات الحشرية على ما يبدو تكون قليلة التأثير على كل مراحل القراد ولأنّ القرادة تكون مختبئة في التربة وبين شقوق الحجارة وفي القش لا يصلها المبيد الحشري.
لذلك تبقى الوقاية الفردية ضد لدغة اليرقات هي الأساس إذ يُنصح بعد العودة من مناطق وجود القُرّاديّات خلع جميع الملابس الخارجية والداخلية وغسلها بالصابون والماء الحار لمدة نصف ساعة وإجراء دوش ساخن على الرغم من أن القُرّاديّات لا تسقط أثناء الاستحمام كما ينصح بارتداء أحذية طويلة (جزمة) أثناء التجوال في الحقول المصابة، ولا يوجد لقاح فعال حتى الآن ضد الجراثيم المنقولة ببعض الأنواع.
لا يمكن رؤية اليرقات المتطفلة على جسم الإنسان بسبب صغر حجمها وإذا تم نزعها بقوة فقد يبقى أجزاء من الحيزوم الفموي عالقة في الجلد مسببة حكة شديدة والتهاباً ثانوياً. لذا يفضل تطبيق مراهم البنزوكائين والهيدروكورتيزون والفازيلين أو زيت الأطفال أو طلاء الأظافر على اليرقات قبل نزعها لأنّ هذه المواد تسهل عملية نزع اليرقة مع حيزومها (5). تعالج اللدغات بوضع محاليل غولية ممددة توضع في مكانها ويمكن إعطاء مضادات الهيستامين، وتفيد طاردات الحشرات Dibutylphalate وكذلك بنزوات البنزيل benzylbenzaote في الوقاية من لدغ اليرقات.  
الخَطْماء الخَرِيْفيّة في سورية 
تُدرس هذه القرادة منذ عدة سنوات ضمن مقرر الطفيليات الطبية لطلاب الطب على أنها غير موجودة في سورية (1)، ولكن مؤخراً في شهر أيار من عام 2007 تمّت مشاهدة بؤرة كبيرة لهذه القُرّاديّات في محافظة السويداء وذلك في قرية (مردك) حيث وجدنا هذه الخَطْماء بين دوالي العنب وعلى الحجارة السوداء القريبة التي تتخذ من ثقوبها الناعمة ملجأً لها (الشكل7).
وقد تم التقاط عدد كبير من هذه القُرّاديّات التي وجد بعد فحصها في المختبر أنها بالغات فقط أما اليرقات فلم تشاهد هذا الشهر.
وبعد استجواب سكان تلك المنطقة أفادنا البعض بأن هذه الخَطْماء تؤدي إلى الأعراض السـريرية السابقة الذكـر نفسها وأن أكثـر ما يصاب بها الإنسان الذي يتعامل مع حقول دوالي العنب وأن احتمال وجود هذا القراد في أماكن أخرى من المحافظات السورية وارد. لذلك أردنا في هذه المقالة الإشارة إلى وجود هذا القراد الممرض في سورية والذي سجل لأول مرة وهذا يقود إلى تغيير خارطة التوزع الجغرافي لهذا القراد في العالم ولم يعد محصوراً في المناطق الأوروبية، ولا بد من متابعة دراسة بيولوجيا وإمراضية هذه القُرّاديّات في سورية فيما بعد.  
بطاقة شكر 
نتوجه بالشكر الجزيل لطبيبة الدراسات العليا في الطب المخبري بجامعة دمشق نغم الشحف التي أشارت إلى احتمال وجود الخَطْماء الخَرِيْفيّة في السويداء.  
المراجع References 
1- اسماعيل محمد طاهر والكفري عبير
الطفيليات والفطور الطبية كتاب جامعي لطلاب السنة الثالثة، كلية الطب البشري، جامعة دمشق، 2007.

2-Ofel Ann
Parasitologie.Mycologie a l'usage des etudiants en medicine et des candidates a l'internat,
363, Editions C. et R; La Madeleine. 1985.

3-Brown JD; Keel MK; Yabsley MJ; Thigpen T. and Maerz JC.
Clinical challenge. Skin, moderate, chronic, multifocal, histiocytic dermatitis with intralesional trombiculid mites (Hannemania sp).
J. Zoo. Wildl. Med. 37(4): 571-573, 2006.

4-Definition of Trombicula, lexic. us. 2004.

5-Golvan Y.J.
Elements de parasitologie medicale
575 page .1979 – Editions medicales Flammarion – Paris

6-Gupta V. and Gautam V.
Scrub Typhus. A short review.
J. Commun. Dis. 36(4): 284-289, 2004.

7-Literak I; Kocianova E. and Dusbabek F.
Winter infestation of wild birds by ticks and chiggers (Acari: Ixodidae, Trombiculidae) in the Czech.
Parasitol. Res; 101(6): 1709-1711, 2007.

8-Scholer A; Maier WA. and Kampen H.
Multiple environmental factor analysis in habitats of the harvest mite Neotrombicula autumnalis (Acari: Trombiculidae) suggests
extraordinarily high euryoecious biology.
Exp. Appl. Acarol; 39(1): 41-62, 2006.

9-Stekol'nikov AA, Literak I, Capek M. and Havlck M.
Chigger mites (Acari: Trombiculidae) from wild birds in Costa Rica, with a description of three new species.
Folia. Parasitol. (Praha). 54(1): 59-67, 2007.  
 
المجلد 4 , العدد 8 , ذو الحجة 1428 - كانون الثاني (يناير) 2008

 
 
SCLA
  ©  2003 - 2008    SCLA All rights reserved By Platinum Inc.