بحث في أعداد المجلة
الجملة  
المؤلف   
 

المجلد 4 , العدد 9 ، ربيع الأول 1429 – نيسان (إبريل) 2008
 
استخدامات البيولوجيا الجزيئية في مختبر الجراثيم
Applications of Molecular Biology in Bacteriology Laboratory
د. فرج بارة
Dr. Faraj Barah
كلية الصيدلة – جامعة القلمون الخاصة
College of Pharmacy- University of Kalamoon
الملخص Abstract
تنتشر الأمراض الخمجية ذات المنشأ الجرثومي انتشاراً واسعاً، فقد ظهر حديثاً أن هناك حوالي 17 مليون حالة وفاة بسبب إصابات خمجية جرثومية سنوياً في كل أنحاء العالم، مع ذلك فان تدبير هذه الإصابات ما زال يخطو الخطوات الأولى. فبحسب آخر الإحصاءات التي نشرتها منظمة الصحة العالمية، تعد الأمراض الخمجية ذات المنشأ الجرثومي السبب الرئيس للوفيات ضمن الأطفال والشباب، حيث تسبب في الدول الغير الصناعية 45% من مجمل حالات الوفيات ويرتفع هذا الرقم إلى 65% إذا ما أخذ الأطفال كمجموعة مستقلة مما يبرز مدى الحاجة الماسة إلى تطوير طرق تدبير هذه الإصابات. من ناحية أخرى وفي حالة الدول المتقدمة، فان ظهور أمراض خمجية جرثومية جديدة أو نادرة أو قديمة تم تناسيها مثل مرض السل قد شجع وحفز هذه الدول ذات القدرة على تمويل الأبحاث من الناحية المادية على تطوير طرق التقصي وطرق التحكم بهذه الاخماج خصوصاً تلك المعتمدة على مبادئ البيولوجيا الجزيئية.
سيتم في هذا البحث استعراض أهم استخدامات البيولوجيا الجزيئية في مختبر الجراثيم وتوضيح مدى الاستفادة من هذه الطرق في محاور أساسية هي: تشخيص الإصابات الجرثومية عند تعذر التعرف على العامل الممرض بالطرق التقليدية أو استحالة زرعه على أوساط الزرع التقليدية، التشخيص السريع للإصابات الجرثومية، والكشف عن المقاومة الجرثومية للصادات الحيوية.  
considered stepping its first steps. A recent statistical World Health Organization report indicated that bacterial infectious diseases are now the world’s biggest killer of children and young adults, causing in non-industrialized countries 45% in all and 65% in childhood of death cases, which shows the importance and the need of developing the methods of management of these infections. On the other hand and in the developed countries, the emergence of new, rare or already-forgotten infectious diseases, such as tuberculosis, has stimulated and inspired these financially-able countries to invest in developing new methods for management and control of these infections mainly based on principles of molecular biology. This article will focus on the most important current applications of molecular biology in bacteriology laboratory; particularly in diagnosis of bacterial infections when it is difficult to identify the responsible organism with traditional methods or when it is impossible to culture it on traditional culture media, rapid identification of bacterial agents, and detection of antibiotic resistance among bacterial species.  
المقدمة Introduction 
يعتمد تدبير الإصابات الخمجية ذات المنشأ الجرثومي في نجاحه بشكل كبير على التحري عن العوامل الجرثومية المسببة لهذه الأمراض الخمجية في مختبر الأحياء الدقيقة وتحديداً المختبر الجرثومي، ويعتمد بدوره هذا المختبر في عمله بعد الكشف عن هوية العامل الجرثومي الممرض على توجهين أساسين هما تنميط هذا العامل وتحديد طريقة العلاج المثلى. لقد أدى ظهور طرق الكشف عن الأحماض النووية الريبية RNA والأحماض النووية الريبية المنزوعة الأكسجين DNA وطرق تضخيمها، مثل التفاعل التسلسلي البوليميرازي Polymerase Chain Reaction (PCR)، إضافة إلى طرق تحديد التسلسل النيكليوتيدي Nucleotides Sequencing إلى إحداث تغيير كبير بالطرق المخبرية التقليدية المتبعة في مختبر الجراثيم. حيث إن لهذه الطرق القدرة على تحديث الوسائل التي يتم بموجبها إجراء الاختبارات التشخيصية والتنميطية والوبائية في المختبر الجرثومي لتحقيق العناية الأمثل بالمرضى سواء في عيادات المجتمع أو في المستشفيات.
عند اكتشاف التفاعل التسلسلي البوليميرازي في أواخر ثمانينات القرن الماضي ظهر العديد من الأبحاث التي سهلت إدخال الاختبارات المبنية على مبادئ البيولوجيا الجزيئية إلى الطرق الروتينية في مختبر الأحياء الدقيقة. ولكن ومن جهة أخرى، فقد تميزت طرق البيولوجيا الجزيئية بأنها تتطور بسرعة وبالتالي فقد شكل ذلك عائقاً للكثير من المختبرات لاستخدامها لتنوعها الكبير ولتطورها السريع من جهة إضافة إلى غلاء ثمنها من جهة أخرى، مما جعل استخدامها ينحصر في المختبرات المرجعية المختصة. حالياً، بدا استخدام هذه الطرق ينتشر نوعاً ما بعدما أثبتت أهميتها ضمن المختبر الجرثومي كما سنرى في هذا المقال.
يمكن تقسيم أهم المراحل التي يمكن فيها تطبيق البيولوجيا الجزيئية في تشخيص الإصابات الجرثومية إلى 4 مراحل: أولاً: تشخيص الإصابة بجرثوم تم عزله بشكل نقي ولكن هناك صعوبة بالتعرف عليه، ثانياً: التعرف على الجرثوم في العينات التي لا يمكن زراعتها أو التي تعطي نتائج سلبية بعد الزرع، ثالثاً: التشخيص السريع للإصابات الجرثومية ورابعاً: كشف المقاومة الجرثومية للصادات الحيوية.  

أولاً: تشخيص الإصابة بجرثوم تم عزله بشكل نقي ولكن هناك صعوبة بالتعرف عليه
تعتمد معظم المختبرات الحديثة على الجمع بين التعرف على الصفات الشكلية للجراثيم، صفات مستعمراتها، الصفات الكيميائية الحيوية، والواسمات المصلية للتعرف على الجراثيم حتى مستويي الجنس و/أو النوع. قد يجادل البعض أن الأطباء يكتفون بمعرفة إذا ما كان الجرثوم إيجابي أو سلبي الغرام إضافة إلى معرفتهم بنتائج التحسس على الصادات الحيوية ولكن التفصيل في هوية الجراثيم ضروري في الاستقصاءات الوبائية وكيفية تدبير الأمراض والتحكم بها، لذلك لابد هنا من طرق لتحديد هوية الجراثيم تكون ذات كلفة معقولة ولا تحتاج زمناً طويلاً.
تعتمد معظم المختبرات الآن في تحديدها لهوية الجراثيم على التعرف على الصفات الكيميائية الحيوية من خلال نظامي API system bioMerieux, BBL-Crystal system Becton Dickinson وعلى الرغم من أن هذه الأنظمة تكون قادرة على تحري وكشف معظم الأنواع الجرثومية إلا أنها تبقى عاجزة عن ذلك في بعض الحالات القليلة مثل حالة الإصابات بالجراثيم السلبية الغرام الغير المخمرة للسكاكر. وهنا يأتي دور طرق البيولوجيا الجزيئية كبديل ناجح لهذه الطرق في الكشف عن أنواع الزوائف Pseudomonas spp. وأنواع الرَّاكِدَة (جِنْسُ جَراثيم مِنْ فَصيلَةِ النَّيسَرِيَّات)Acinetobacter spp. (1).  

ثانياً: التعرف على الجرثوم في العينات التي لا يمكن زراعتها أو التي تعطي نتائج سلبية بعد الزرع
بدون شك، مازال الزرع الجرثومي حجر الزاوية في التعرف على الجراثيم ولكن هناك بعض الحالات التي يفشل فيها الزرع الجرثومي أو يتأخر في إعطاء النتائج مما يسمح باستخدام طرق البيولوجيا الجزيئية كبديل ناجح كما في الحالات التالية: عند البدء المعالجة بالصادات الحيوية قبل اخذ عينة الزرع (حالة التهاب السحايا والبدء بالعلاج بالبنسلين مباشرة بعد التشخيص السريري وقبل اخذ عينة من السائل الدماغي الشوكي)، عندما تكون الجراثيم ذات متطلبات غذائية كبيرة Fastidious bacteria وتصعب زراعتها (حالة التهاب شغاف القلب بأحد العصيات السلبية الغرام من مجموعة الـ HACEK والتي تشملHaemophilus spp., Actinobacillus, Cardio-bacterium hominis, Eikenella corrodens, Kingella spp.)، عندما تكون الجراثيم بطيئة النمو (حالة المتفطرات Mycobacterium spp.)، وعندما يكون هناك حاجة لطرق زرع خاصة وتقنيات خاصة (حالة المتدثرات Chlamydia spp.).
إن طرق البيولوجيا الجزيئية وغير المعتمدة على زراعة الجراثيم تمتلك ميزة السرعة في الحصول على النتائج مقارنة مع الطرق التقليدية والتي قد تحتاج من عدة أيام إلى عدة أسابيع أو قد تفشل في تكثير وتنمية الجراثيم. يتوفر الآن العديد من الطواقم التجارية للكشف الجزيئي عن المتفطرة السلية Mycobacterium tuberculosis، المتدثرة الحثرية Chlamydia trachomatis، النيسيريا البنية Neisseria gonorrheae والبورديتيلا الشاهوقية Bordetella pertussis. تعتمد هذه الطرق في مجملها على الكشف عن الأحماض النووية بواسطة التفاعل التسلسلي البوليميرازي، التفاعل التسلسلي بإنزيم الربط Ligase Chain Reaction، التضخيم المعتمد على الاستنساخ Transcription based amplification والتضخيم المعتمد على انزياح الطاق Strand Displacement Amplication (2).
ساهمت طرق البيولوجيا الجزيئية في زيادة أعداد النتائج المخبرية المؤكدة للإصابات الجرثومية المنتقلة عن طريق الجنس وذلك بسبب الحساسية العالية لهذه الطرق إضافة إلى سهولة اخذ العينات. إن الطرق التقليدية في مراقبة الإصابات الجرثومية المنتقلة عبر الاتصال الجنسي تتطلب الفحص بالمنظار وأخذ عينات من عنق الرحم عند النساء وأخذ مسحة من الاحليل عند الرجال وهي طرق وعينات عادة ما تسبب إحراجاً وعدم ارتياح من قبل الأفراد إضافة إلى تطلبها معدات خاصة. أما طرق البيولوجيا الجزيئية فعادة ما تتطلب عينات يسهل الحصول عليها مثل عينات البول من وسط الابالة أو مسحات مهبلية يمكن أن تؤخذ من قبل المرأة نفسها.
على الرغم من أن طرق التشخيص الجزيئي للمتدثرة الحثرية والنيسيريا البنية لا تسمح بمراقبة درجة المقاومة للصادات الحيوية أو الكشف عن إصابات جنسية جرثومية أخرى فان فحص البول قد أظهر حساسية ونوعية مماثلتين لتلك التي يحصل عليها بالطرق التقليدية عند التحري عن المتدثرة الحثرية عند الرجال والنساء، والتحري عن النيسيريا البنية عند الرجال. أما إصابات النيسيريا البنية عند النساء فان حساسية ونوعية طرق التشخيص الجزيئي المطبقة على عينات البول مازالت دون مثيلاتها التقليدية المطبقة على عينات عنق الرحم، ولكن استخدام المسحات المهبلية أعطى طرق التشخيص الجزيئي حساسية ونوعية عالية تفوق نتائج الزرع لعينات عنق الرحم. مما يجدر ذكره هنا، أن طريقة التضخيم المعتمد على الاستنساخ قد حصلت على موافقة إدارة الأغذية والأدوية الأمريكية USA FDA للتحري عن المتدثرة الحثرية والنيسيريا البنية في المسحات المهبلية (3). من ناحية أخرى، فان طرق التشخيص الجزيئي المطبقة في المناطق المعزولة جغرافيا تمتاز بإمكانية إجرائها على مسحات مهبلية قد جفت خلال فترة نقل العينة وذلك دون أن يتأثر الحمض الريبي النووي بسبب التأخر في إجراء الفحص، في حين إن طرق الزرع التقليدية تحتاج أوساط نقل خاصة Transport Media للحفاظ على حيوية الجراثيم في تلك العينات وهذا ما لا قد يتوفر بسهولة في هذه المناطق (4). من الطواقم التجارية المستخدمة لمبدأ طريقة التضخيم المعتمد على الاستنساخ نذكر BDProbeTecTM ET Chlamydia trachomatis Becton Dickinson الخاص بالكشف عن المتدثرة الحثرية.
إن استخدام طرق التشخيص الجزيئي للكشف عن المتفطرة السلية يعد من الأمثلة القليلة التي مازالت فيها حساسية هذه الطرق اقل من طرق الكشف التقليدية وقد يعود السبب في ذلك إلى الصعوبة في تحرير الحمض الريبي النووي من الخلايا الجرثومية خلال عملية الاستخلاص السابقة للتفاعل التسلسلي البوليميرازي. على الرغم من ذلك، فان طرق التشخيص الجزيئي للكشف عن المتفطرة السلية تسمح بتأكيد التشخيص الناتج عن الفحص المجهري المباشر بعد التلوين بملون تسيل نلسون وذلك بحساسية قدرها 98% وخلال 24 ساعة فقط مقارنة مع 2-3 أسابيع إذا ما قمنا بالزرع وتنخفض الحساسية إلى 40% فقط عندما تكون نتائج الفحص المجهري المباشر سلبية (5). كما تسمح هذه الطرق بتأكيد نتائج الزرع الإيجابية خلال 24 ساعة فقط مقارنة مع 3-4 أسابيع إذا ما قمنا بالتحري عن الصفات الكيميائية الحيوية. إضافة إلى ذلك، فان التنميط المعتمد على التحري عن الصفات الكيميائية الحيوية غير كاف كونه يفتقر إلى العدد اللازم من الاختبارات الواجب تطبيقها للتفريق بين الأنواع العديدة ضمن عائلة المتفطرات. للتغلب على هذه المشكلة، فان تحديد التسلسل النيكليوتيدي للمورثة 16S rRNA قد سهل تحديد الأنواع المسؤولة عن الإصابات (6). لقد حل التفاعل التسلسلي البوليميرازي مكان
اختبارات الزرع الجرثومي والكشف عن الأضداد بطريقة الفلورة المباشرة في التحري عن البورديتيلا الشاهوقية نظراً للحساسية العالية التي يتمتع بها هذا التفاعل خصوصاً في المراحل الأولى من المرض (7). أظهرت بعض الدراسات أن اختبار التفاعل التسلسلي البوليميرازي على رشافة خيشومية nasopharyngeal aspirates قد كشف عن 48% من الإصابات السريرية مقارنة مع 5% فقط في حالة الزرع (8). يمكن تطبيق نفس الأمر على جراثيم ذات متطلبات غذائية كبيرة ممرضة للجهاز التنفسي مثل أنواع الليجيونيللا Legionella spp.، المفطورات الرئوية Mycoplasma pneumoniae، والمتدثرة الرئوية Chlamydia pneumoniae (4).  

ثالثاً: التشخيص السريع للإصابات الجرثومية
إن الطرق التقليدية في زرع الجراثيم قد تحتاج إلى عدة أيام لإعطاء نتيجة ايجابية مما يفسح المجال في كثير من الأحيان إلى بدء المعالجة الاعتباطية حتى ظهور نتائج الزرع. هنا يظهر أهمية طرق البيولوجيا الجزيئية الحديثة في الكشف السريع.
إن الإصابة بالتهاب السحايا الجرثومي قد يكون له عواقب سيئة قد تودي بحياة المريض ما لم يتم تطبيق علاج كيميائي سريع بالصادات الحيوية الفعالة، والذي يعتمد بدوره على سرعة التشخيص المخبري. توفر طرق البيولوجيا الجزيئية متمثلة بالتفاعل التسلسلي البوليميرازي النتائج في نفس اليوم متفوقة في الحساسية على طرق الزرع التقليدية مما يسهل البدء في العلاج بالصادات الحيوية الفعالة والخاصة بكل جرثوم، في حين أن طرق الزرع التقليدية تعطي نتائج مبدئية بعد 24 ساعة على أقل تقدير مما سيعنى ضرورة البدء بالمعالجة العشوائية خلال تلك الفترة بالمضادات الحيوية ذات الطيف الواسع (9). تم حاليا تطوير تفاعل تسلسلي بوليميرازي متعدد Multiplex PCR للكشف عن النيسيريا السحائية، المكورات العقدية الرئوية Streptococcus pneumoniae والمستدميات النزلية من النمط b Haemophilus influenzae type b والتي تشكل معا 90% من إجمالي الإصابات بالتهاب السحايا الجرثومي (10).  

رابعاً: كشف المقاومة الجرثومية للصادات الحيوية
إن كشف النمط الجزيئي الخاص بالمقاومة الجرثومية للصادات الحيوية يلعب دوراً كامناً مهما في تحري الذراري الجرثومية التي قد تتطور عندها صفة مقاومة الصادات الحيوية مثل العنقوديات الذهبية المقاومة للميثيسيللين Methcillin Resistant Saphylococcus aureus (MRSA) (11) والمكورات المعوية المقاومة للفانكومايسين Vancomycin Resistant Enterococci (VRE) (12). إن تفريق سلالات الـ MRSA عن باقي العنقوديات الذهبية يتم بالكشف عن المورثة mecA المسؤولة عن صفة المقاومة للميثيسيللين. يتم حالياً إجراء التفاعل التسلسلي البوليميرازي المتعدد للكشف عن مورثتين إحداهما خاصة بالعنقوديات الذهبية تدعى nuc والأخرى هي المورثة mecA مما يسمح بالكشف السريع عن العنقوديات الذهبية (سواء كانت مقاومة أو غير مقاومة للميثيسيللين) عند زرع الدم (11). يعد ذلك مهما لاختيار الصاد الحيوي الفعال بأسرع وقت ممكن حيث أن معدل الوفيات أعلى في حالة الإصابة بالـ MRSA مقارنة مع العنقوديات الذهبية المتحسسة للميثيسيللين (13). تتوفر حالياً العديد من الطواقم التجارية للكشف عن الـ MRSA والـ VRE بواسطة التفاعل التسلسلي البوليميرازي بالزمن الحقيقي Real Time PCR مما يسمح بزيادة السرعة في الكشف (4).
ظهرت مؤخراً ذراري من الاشريكيات القولونية Escherichia coli والكلبسيلا الرئوية Klebsiella pneumoniae المنتجة للإنزيمات المؤثرة بشكل قوي وواسع الطيف في حلقة البيتا لاكتام للصادات الحيوية من زمرتي البنسيلينات والسيفالوسبورينات Extended spectrum b-lactamases. يمكن أن تنتشر هذه الجراثيم بشكل سريع في المراكز الطبية مسببة التهابات للجروح والحروق، التهابات مجاري بولية وانتانات دموية. إن الكشف عن هذه الذراري في المختبر الجرثومي يتطلب تقنيات البيولوجيا الجزيئية حيث أن اختبارات التحسس على الصادات غالباً ما تفشل في الكشف عنها. يتم الكشف الجزيئي عن هذه الذراري عبر الكشف عن الطفرات النقطية ضمن الموقع الفعال من المورثة المنتجة للـ b-lactamases (4).
إن ظهور ذراري من المتفطرة السلية المقاومة للعديد من الصادات الحيوية (تحديداً الريفامبسين والايزونيازيد) يعد مشكلة خطيرة في بعض دول العالم مثل دول أوروبا الشرقية. إن الطرق التقليدية للكشف عن مقاومة المتفطرة السلية للريفامبسين والايزونيازيد تتطلب فترة زرع طويلة وتأخر في التشخيص حتى عدة أسابيع مما يزيد من مخاطر انتقال هذه الذراري إلى المجتمع. توفر حالياً تقنية التفاعل التسلسلي البوليميرازي المتعدد دراسة تتابع التسلسل النكليوتيدي للمورثتين rpoB, hsp65 مما يسهل التحري عن معظم الذراري المقاومة للصادات في نفس اليوم (6). يمكن تحقيق نتائج موثقة أكثر عند تحديد تتابع التسلسل النكليوتيدي لكامل الحمض الريبي النووي والتي يمكن تحقيقها بواسطة تقنية الـ Microarry (14).  
أهم طرق البيولوجيا الجزيئية المطبقة في مختبر الجراثيم 
نظرياً يمكن الاستفادة من أي طريقة من طرق البيولوجيا الجزيئية في مختبر الجراثيم والتي نذكر منها التفاعل التسلسلي البوليميرازي PCR، التفاعل التسلسلي البوليميرازي العشي Nested PCR، التفاعل التسلسلي البوليميرازي المتعدد Multiplex PCR، التفاعل التسلسلي البوليميرازي الواسع الطيف Broad PCR والتفاعل التسلسلي البوليميرازي بالزمن الحقيقي Real Time PCR.
يعد التفاعل التسلسلي البوليميرازي الواسع الطيف اختباراً مفيداً للكشف عن كل الأنواع الجرثومية في اختبار واحد حيث يعتمد في مبدئه على الكشف عن وجود المورثة 16S rRNA والتي تتميز بأنها تحتوي على مناطق تسلسل نكليوتيدي تحدث فيها الطفرات ببطء شديد مما يجعلها مناطق محافظة concerved إضافة لتواجدها في كل الأنواع الجرثومية بلا استثناء (15). تتنوع تطبيقات التسلسلي البوليميرازي الواسع الطيف للكشف عن وجود المورثة 16S rRNA حيث تم استخدامه لتأكيد تورط عوامل جرثومية في التسبب في أخماج مختلفة مثل التهاب شغاف القلب (16)، تجرثم الدم المترافق مع ارتفاع الحرارة عند مرضى سرطانات الدم (17)، التهاب السحايا (18-20)، التهاب المفاصل (21) وغيرها. يتوفر حالياً بشكل تجاري البادءات Primers والمسابر Probes الخاصة بتفاعل تسلسلي بوليميرازي الواسع الطيف وبالزمن الحقيقي نذكر منها هذا الطقم التجاري الخاص بالكشف عن الأنواع المختلفة من المتفطرات MicroSeq 500 16S ribosomal DNA (rDNA) Applied Biosystems (22).
يمكن أيضاً الاستفادة من معرفة التسلسل النيكليوتيدي Nuclutide sequencing لناتج التفاعل التسلسلي البوليميرازي الواسع الطيف بتحديد النوع الجرثومي المسبب للإصابة وذلك بعد مقارنة التسلسل النيكليوتيدي الناتج مع التسلسلات النيكليوتيدية المعروفة للأنواع الجرثومية والتي يصل عددها حالياً إلي حوالي 9000 تسلسل والمحفوظة في بنوك المعلومات الجينية GenBanks التي يمكن الدخول إليها عبر شبكة الإنترنت (1، 4) عبر المواقع التالية: www.ebi.ac.uk/embl, www.ddbj.nig.ac.jp.
منذ تسعينات القرن الماضي، أصبحت تقنية الكشف عن المورثة 16S rRNA بواسطة التفاعل التسلسلي البوليميرازي الواسع الطيف متبوعة بمعرفة التسلسل النيكليوتيدي لهذه المورثة، أصبحت مستخدمة بشكل واسع في الكشف الروتيني عن الجراثيم خصوصاً منها التي لا يمكن زرعه على أوساط الزرع التقليدية أو التي تنمو ببطء أو في حالة استخدام المريض للصادات الحيوية قبل اخذ العينة المرضية.
تجدر الإشارة إلى أنه في مخبر الجراثيم السريري المطبق لطرق البيولوجيا الجزيئية لا يتم عادة الاهتمام إذا ما كان الحمض الريبي النووي المتحرى عنه ضمن العينة يمثل الجرثوم حياً أو ميتاً، كحالة الكشف عن الحمض الريبي النووي للمكورات السحائية Meningococcus في السائل الدماغي الشوكي لشخص مصاب بالتهاب السحايا. يختلف الوضع تماماً في حالة التحري عن الجراثيم في الأغذية، فمثلاً في حالة التحري عن وجود عصيات السلمونيللا في عينات حليب مجفف يشتبه في تسببها بتسمم غذائي، فان الكشف هنا عن الحمض الريبي النووي للسلمونيللا لا يعني بالضرورة تواجدها بشكل حي وإنما يمكن أن يتواجد الحمض الريبي النووي ممثلاً لخلايا جرثومية ماتت أثناء مراحل التعقيم خلال تحضير الحليب المجفف. في هذه الحالة لابد من العودة لاستخدام طرق الزرع التقليدية لمعرفة إن كانت هذه العينات ملوثة بجراثيم حية أو غير ملوثة.  
معوقات طرق البيولوجيا الجزيئية في مختبر الجراثيم 
على الرغم من الإيجابيات الكثيرة لاستخدام طرق البيولوجيا الجزيئية في مختبر الجراثيم فان هناك العديد من النقاط التي يجب الانتباه لها مع ضرورة تلافيها لتحقيق الفائدة الأمثل عند تطبيق هذه الطرق نذكر منها التالي:
• خلافا للطرق التقليدية في المختبر الجرثومي فإن اختبارات التفاعل التسلسلي البوليميرازي (عدا التفاعل التسلسلي البوليميرازي المتعدد والواسع الطيف) لا تتحرى إلا عن جرثوم واحد فقط بحسب المسابر المستخدمة.
• إمكانية حصول نتائج إيجابية كاذبة الذي يمكن أن يحدث بسبب التلوث بالسلاسل النكليوتيدية المضخمة ضمن المختبر والذي يمكن تلافيه باستخدام تقنية الغرف المتعددة لإجراء المراحل المختلفة من الاختبار، واستخدام نيكليوتيد dUTP بدلا من نيكليوتيد dTTP أثناء مرحلة التضخيم ومن ثم تدمير السلاسل النكليوتيدية المضخمة باستخدام UNG.
• إمكانية حصول نتائج سلبية كاذبة تحدث بسبب عدم حساسية طرق المستخدمة في استخلاص الأحماض النووية الريبية RNA والأحماض النووية الريبية المنزوعة الأكسجين DNA من بعض العينات المرضية بسبب وجود مثبطات للإنزيمات المستخدمة في التفاعل التسلسلي البوليميرازي. يمكن الكشف عن ذلك بتحري سلبية التفاعل التسلسلي البوليميرازي عند الكشف عن b-globin البشري ضمن هذه العينات المستخلصة، أما تلافي تلك المشكلة فيمكن بتمديد العينة للتخلص من المثبطات أو استبدال العينة بعينة أخرى.
• نقص في توحيد بروتوكولات الطرق المعتمدة على البيولوجيا الجزيئية فعلى الرغم من توفر طواقم تجارية لبعض الإصابات الجرثومية مثل المتدثرة الحثرية والنيسيريا البنية فان الغالبية العظمى من تلك الاختبارات يتم تطويرها في المختبرات الخاصة نظراً لاستمرار الاعتماد على الطرق التقليدية وبالتالي غياب الحاجة لتطوير طواقم تجارية للاختبارات المعتمدة على البيولوجيا الجزيئية. هذا يعني حدوث اختلافات في البروتوكولات المتبعة يمكن أن يتمثل في استخدام مسابر مختلفة، استخدام جينات مختلفة أو مناطق مختلفة ضمن نفس الجين كأهداف محتملة للتضخيم بالتفاعل التسلسلي البوليميرازي، استخدام التفاعل التسلسلي البوليميرازي من دورة واحدة أو عشي أو متعدد أو بالزمن الحقيقي، واستخدام طرق مختلفة في كشف التتابع الذي تم تضخيمه. كل هذه الاختلافات يمكن أن تقود إلى صعوبة في المقارنة بين حساسية ونوعية البروتوكولات المتبعة.  
الخلاصة Conclusion  
نختم بالقول أن لاستخدام طرق البيولوجيا الجزيئية في مختبر الجراثيم دوراً هاماً ما يزال كامناً وبحاجة إلى المزيد من المرونة للسماح بإدخال مثل هكذا طرق جنبا إلى جنب مع الطرق التقليدية المتبعة في مختبر الجراثيم مثل الزرع الجرثومي وليس كبديل دائم لها. قد تحتاج طرق البيولوجيا الجزيئية إلى المزيد من الوقت لتنتقل من المختبرات الجرثومية المرجعية إلى نظيراتها الخاصة خلافاً لحالة استخدامها في مختبر الفيروسات، ولكن مما لا شك فيه أن لهذه الطرق القدرة على تحديث الاختبارات التشخيصية والتنميطية والوبائية في المختبر الجرثومي لتحقيق العناية الأمثل بالمرضى سواء في عيادات المجتمع أو في المستشفيات.  
المراجع References 
1-Millar BC, Xu J. and Moore JE.
Molecular diagnostics of medically important bacterial infections.
Current Issues on Molecular Biology, 9: 21–40, 2006.

2-Yang S. and Rothman RE.
PCR-based diagnostics for infectious diseases: uses, limitations, and future applications in acute-care settings.
Lancet, 4:337-348, 2004.

3-Cook RL, Hutchison SL, Ostergaard L, Braithwaite RS. And Ness RB.
Systematic review: non-invasive testing for Chlamydia trachomatis and Neisseria gonorrhoeae.
Annals of Internal Medicine, 42:914-925, 2005.

4-Speers DJ.
Clinical applications of molecular biology for infectious diseases.
Clinical Biochemistry Review, 27: 39-51, 2006.

5-Bergmann JS. and Woods GL.
Clinical evaluation of the Roche AMPLICOR PCR Mycobacterium tuberculosis test for detection of M. tuberculosis in respiratory
specimens.
Journal of Clinical Microbiology, 34:1083-1085, 1996.

6-Kapur V, Li LL, Hamrick MR, Plikaytis BB, Shinnick TM, Telenti A, Jacobs WR Jr, Banerjee A, Cole S. and Yuen KY.
Rapid Mycobacterium species assignment and unambiguous identification of mutations associated with antimicrobial resistance in
Mycobacterium tuberculosis by automated DNA sequencing.
Archives of pathology & laboratory medicine, 119: 131-138, 1995.

7-Cockerill FR. and Smith TF.
Response of the clinical microbiology laboratory to emerging (new) and re-emerging infectious diseases.
Journal of Clinical Microbiology, 42:2359-2365, 2004.

8-He Q, Mertsola J, Soini H, Skurnik M, Ruuskanen O. and Viljanen MK.
Comparison of PCR with culture and EIA for diagnosis of pertussis.
Journal of Clinical Microbiology, 31:642-645, 1993.

9-Taha MK.
Simultaneous approach for nonculture PCR based identification and serogroup prediction of Neisseria meningitidis.
Journal of Clinical Microbiology, 38:855-857, 2000.

10-Tzanakaki G, Tsopanomichalou M. and Kesanopoulos K.
Simultaneous single-tube PCR assay for the detection of Neisseria meningitidis, Haemophilus influenza type b and Streptococcus
pneumoniae.
Clinical Microbiology and Infection, 11:386-390, 2005.

11-Louie L, Goodfellow J, Mathieu P, Glatt A, Louie M. and Simor AE.
Rapid detection of methicillin-resistant staphylococci from blood culture bottles by using a multiplex PCR assay.
Journal of Clinical Microbiology, 40: 2786-2790, 2002.

12-Paule SM, Trick WE. and Tenover FC.
Comparison of PCR assay to culture for surveillance detection of vancomycin-resistant Enterococci.
Journal of Clinical Microbiology, 41:4805-4807, 2003.

13-Cockerill FR.
Rapid Detection of Pathogens and Antimicrobial Resistance in Intensive Care Patients Using Nucleic Acid-Based Techniques.
Scandinavian journal of clinical and laboratory investigation, 63(S239):34-46, 2003.

14-Jenkins C.
Rifampicin resistance in tuberculosis outbreak, London, England.
Emerging Infectious Diseases, 11:931-934, 2005.

15-Patel JB.
16S rRNA gene sequencing for bacterial pathogen identification in the clinical laboratory.
Molecular Diagnosis, 6:313–321, 2001.

16-Hryniewiecki T, Gzyl A, Augustynowicz E. and Rawczynska-Englert I.
Development of broad-range polymerase chain reaction (PCR) bacterial identification in diagnosis of infective endocarditis.
The Journal of heart valve disease, 11:870–874, 2002.

17-Ley BE, Linton CJ, Bennett DM, Jalal H, Foot AB. and Millar MR.
Detection of bacteraemia in patients with fever and neutropenia using 16S rRNA gene amplification by polymerase chain reaction.
European journal of clinical microbiology & infectious diseases, 17:247–253, 1998.

18-Saravolatz LD, Manzor O, VanderVelde N, Pawlak J. and Belian, B.
Broad-range bacterial polymerase chain reaction for early detection of bacterial meningitis. Clinical Infectious Diseases, 36:40–45, 2003.

19-Xu J, Millar BC, Moore JE, Murphy K, Webb H, Fox AJ, Cafferkey M. and Crowe MJ.
Employment of broad-range 16S rRNA PCR to detect aetiological agents of infection from clinical specimens in patients with acute
meningitis--rapid separation of 16S rRNA PCR amplicons without the need for cloning.
Journal of Applied Microbiology, 94:197–206, 2003.

20-Schuurman T, de Boer RF, Kooistra-Smid AM. and van Zwet AA.
Prospective study of use of PCR amplification and sequencing of 16S rDNA from cerebrospinal fluid for diagnosis of bacterial meningitis in a clinical setting.
Journal of Clinical Microbiology, 42:734-740, 2004.

21-Cuchacovich R, Japa S, Huang WQ, Calvo A, Vega L, Vargas RB, Singh R, Flores D, Castro I. and Espinoza LR.
Detection of bacterial DNA in Latin American patients with reactive arthritis by polymerase chain reaction and sequencing analysis.
Journal of Rheumatology, 29:1426–1429, 2002.

22-Patel JB, Leonard DGB, Pan X, Musser JM, Berman, RE. and Nachamkin I.
Sequence based identification of Mycobacterium species using the MicroSeq 500 16S rDNA bacterial identification system.
Journal of Clinical Microbiology, 38:246–251, 2000.  
 
المجلد 4 , العدد 9 ، ربيع الأول 1429 – نيسان (إبريل) 2008

 
 
SCLA
  ©  2003 - 2008    SCLA All rights reserved By Platinum Inc.