بحث في أعداد المجلة
الجملة  
المؤلف   
 

المجلد 6 , العدد 1 , ربيع الثاني 1432 - نيسان (أبريل) 2011
 
توصيات الجمعية الأوروبية للتصلب العصيدي باعتماد واصمين اثنين كاختباري تحرٍ للداء القلبي الوعائي: البروتين الشحمي a والبروتين المُتَفاعِل ُC عالي الحساسية، هل هي دلالة على تكافؤ أهمية هذين الواصمين، أم أنها تعكس إخفاقاً للطب المُثبت بالبرهان؟
ترجمة د. جالا قاسم العتمة
عن مجلة الكيمياء السريرية في عددها 56: 1544-1546, 2010
Samuel Z. Goldhaber
في الوقت الذي بقيت فيه الجمعية الأوروبية للتصلب العصيدي European Atheroscler-osis Society (EAS) صامتةً تماماً ولم تأت على ذكر دور البروتين المتفاعل C عالي الحساسية hsCRP؛ نشرت بالإجماع بياناً جديداً يصادق على اعتماد القياس المنوالي للبروتين الشحمي a Lp(a) لدى المرضى المعرضين للإصابة بالأمراض القلبية الوعائية من ذوي الاختطار العالي أو المتوسط.
ولقد خطت EAS في بيانها الجماعي خطوة أبعد عندما اعتمدت المعالجة بعَقَار النياسين (1–3 غ) لتخفيض تركيز Lp(a) إلى أقل من 50 ملغ/دل؛ وهي على ما يبدو توصية واسعة جداً لأنَّ 1 من كل 5 بالغين يمكن أن يزيد لديهم تركيز LP(a) إلى أكثر من 50 ملغ/دل. لذا شكلت توصيات EAS الجديدة، التي تحث مزودي الرعاية الصحية على إجراء تحرٍ للتراكيز العالية من البروتين الشحمي a ونصح مرضاهم بالمعالجة بالتراكيز العالية من النياسين، تبدلاً جذرياً في السياسة الوقائية.

جرى في الواقـع بحـث دور Lp(a) كواصـم حيويِّ مستقلِّ للاختطار الوعائي على مدى أكثر من 20 عاماً؛ وبقيت مشاكل توحيد المعياريات المستخدمة وطرق القياس المطبقة دون حل؛ لذا يبدو منطقياً أن نسأل عن البرهان الجديد الذي ظهر لكي يشرح هذا التبدل الجذري في التفكير ويبرر هذه التوصيات الجديدة في حقل الوقاية من الأمراض القلبية الوعائية؛ سواء في مضمار اختبارات التحري أو في طرق المعالجة.
من المدهش أن الحافز الجوهري لهذه التبدلات نشأ من ملاحظة دراسات ومشاهدات حديثة استخدمت تقنيات الوراثة المندلية العشوائية التي تشير إلى تصنيف عشوائي لطفرات تعبر من الآباء إلى الأبناء.
المندلية العشوائية هي طريقة استُخدمت من قِبَل بعض علماء البيئة في محاولة لفهم طرق انتقال الأنماط الظاهرية Phenotypes المتوسطة؛ وبالنسبة للبروتين الشحمي a بينت نتائج دراستين حديثتين مسجلتين أنَّ تعدد الأشكال في جين البروتين الشحمي a يرتبط بكلٍ من تركيز هذا البروتين في البلازما والاختطار الوعائي الذي يعقب ذلك؛ ولقد اقترح البعض أن هذه البيانات تبين العلاقة السببية بين البروتين الشحمي a والمرض القلبي الوعائي.

على أي حال، فإن تقنية المندلية العشوائية هي بحد ذاتها مثيرة للجدل؛ ويعد استخدامها في الاستدلال على العلاقة السببية في مشاهدات علم الأوبئة تحدياً حقيقياً فعلياً. كما أنه – وبغض النظر عن الجدل حول المسببات - فإن توصيات EAS أخفقت في الالتزام بالمعايير التقليدية المعتمدة منذ أمد بعيد؛ والتي كانت قد قُيِّمَت من خلالها الواصمات الحيوية في الاستخدام السريري.
أدلى البيان العلمي لرابطة أمراض القلب الامريكية AHA بأن علامات الاختطار يجب أن تظهر استقلالاً في مجموعات الدراسات المستقبلية المتعددة؛ وأن تبدي معطياتٍ متزايدة أكثر من عوامل الاختطار العادية؛ كأن تبدي، على سبيل المثال، تحسنا إضافياً في التفريق، في المعايرة وفي وإعادة التصنيف أكثر من المخططات التقليدية كعلامات اختطار فرمنغهام؛ ويجب أن يؤدي تطبيقها إلى منافع سريرية وفقاً لنتائج المرضى؛ وأن تُقاس بسهولة بمعايرات دقيقة. وكذلك يجب أن تثبت جدواها الاقتصادية المقبولة.
لقد قدَّمت نتائج الدراسات الوبائية المستقبلية دعماً عاماً لارتباط نتائج البروتين الشحمي a المعتدل مع معدلات الاختطار الوعائي. وعلى أي حال لم يطبق عملياً أي معيار من المعايير القياسية المستخدمة عادة لتقييم الواصمات الحيوية في الاستخدامات السريرية للبروتين الشحمي a؛ ذلك أن الأساس المعرفي للبروتين الشحمي a محدود جداً.!
وفي تباين واضح فإنَّ كافة معايير رابطة أمراض القلب الأمريكية AHA جرى إنجازها أصلاً للواصم الحيوي الالتهابي hsCRP؛ الذي احتل موقع المقدمة للواصمات الحيوية في حقل الوقاية القلبية الوعائية للأسباب التالية:
أولاً: تبين في تحليلات حديثة لـ 54 دراسة مستقبلية؛ أن hsCRP كان مرتبطاً بقوة وبخطية مع الاختطار الوعائي المستقبلي؛ بل إنَّ مقدار الاختطار المرتبط بزيادة انحراف معياري واحد 1SD في hsCRP كان في الحقيقة أكبر من ذاك المرتبط بالزيادة المماثلة في تركيز الكوليستيرول الكلي والكوليستيرول غير HDL non-HDL cholesterol أو حتى بفَرْطُ ضَغْطِ الدَّم.
ثانياً: على نقيض المعايرات التجارية المختلفة لليبوبروتين a والتي تعطي نتائج مختلفة لعينة البلازما نفسها؛ فإنَّ معايرات hsCRP طُّورت وجرت المصادقة عليها من قبل CDC. وعليه فإن كل المختبرات في العالم اليوم تعطي بيانات ونتائج متشابهة عن hsCRP.
ثالثاً: وجدت عدة دراسات رئيسة أن معايرة الـ hsCRP تشكل إضافة هامة في سياق إعادة التصنيف السريرية؛ وقد جرى تطوير خوارزمية بسيطة مثل (مجموع عوامل الاختطار لرينولد (Reynolds Risk Score من أجل استخدام hsCRP مع عوامل تقليدية أخرى، ولقد ثبتت صحتها عند الرجال والنساء.
رابعاً: جرت المصادقة على استخدام hsCRP في المجموعات متوسطة الاختطار من قبل رابطة القلب الاميركية AHA و CDC وبمراجعة شاملة أخيرة لعلامات الاختطار الحديثة من الأكاديمية الوطنية للكيمياء الحيوية السريرية نجد أن hsCRP هو علامة الاختطار الصاعدة الوحيدة ذات الخصائص الملائمة جداً للاستعمال السريري. ولكن يبقى الأكثر أهمية ما ظهر في JUPITER:
(Justification for the Use of Statins in Primary Prevention: An Intervention Trial Evaluating Rosuvastatin)
(تبرير استعمال الستاتينات في الوقاية الأولية: تجارب تقيِّم عقار الروزوفاستاتين)، والذي بين استفادة المرضى الذين صنفوا كمرتفعي الاختطار وفق زيادة تركيز hsCRP لديهم، من المعالجة التي لم يكونوا يتلقونها أصلاً.
لقد أدرج الباحثون في جوبيتر JUPITER على وجه الخصوص 17802 شخصاً من الرجال والنساء الذين كان تركيز LDL لديهم لا يُرشِّحُهم للمعالجة بالستاتينات (أقل من 130 ملغ/ دل)؛ ولكن ووفقاً لنتائج hsCRP لديهم) أكثر أو يساوي 2 ملغ/ دل) جرى تصنيفهم كمرضى مرتفعي الاختطار. والنتيجة الأولية كانت حصول أول حادث قلبي وعائي كبير: كاحتشاء قلب MI أو سكتة دماغية أو القبول في المستشفى بسبب خُنَاق غير مُستقرّ أو إعادة التوعية revascularization أو الموت المثبت بسبب حادث قلبي وعائي.
في مجموعة الروزوفاستاتين تناقص الاحتشاء بنسبة 55%؛ وتناقصت السكتة الدماغية بنسبة 48 %؛ وتناقصت الحاجة إلى جراحة المجازات أو تقويم الأوعية جراحيا ً angioplasty بنسبة 46%؛ ولقد تناقصت مجمل أسباب الوفاة بنسبة 20%؛ وكان تناقص اختطار الحوادث القلبية الوعائية متماثلا في الرجال والنساء. كذلك لوحظ تناقص بنسبة 43% في خثرة الوريد العميق DVT العرضية وفي الصمة الرئوية PT. كما ارتبط استخدام الروزوفاستاتين بتراجع الحوادث القلبية الوعائية في كل المجموعات الفرعية التي جرى تقييمها. استفاد السكان السود واللاتينيون من المشاركة بشكل خاص بالإضافة إلى المشاركين من البيض.
|لقد كانت الموجودات في جوبيتير JUPITER مغايرةً تماماً لتلك الأبحاث الخاصة بالليبوبروتين a، حيث لا يوجد بيانات انتهائية تدعم استخدام النياسين بين المرضى الذين لديهم زيادة في تركيز الليبوبروتين a. وأمام هذه الحالة قد يتساءل القرَّاء فيما إذا كان هنالك تكافؤ بأهمية المعايير في الجمعية الأوروبية للتصلب العصيدي لتقييم LP(a) مقابل hsCRP؛ أم أنَّ هذه التوصية الجديدة لتحري LP(a) على نطاق واسع تدل على إخفاق الطب المثبت بالبرهان؟
من المهم توضيح أنه لم يصادق المؤلفون ولا المحررون لتقارير LP(a) الجديدة على الدعوة لتحري LP(a) بشكل واسع؛ بل كانوا حذرين جداً في تفسيراتهم. فعلى سبيل المثال صرح Kamstrup وزملاؤه "أنَّ البرهان النهائي للعلاقة السببية مازال يتطلب تجارب سريرية عشوائية لإثبات تناقص اختطار الاحتشاء كاستجابة للمعالجة الخافضة لليبوبروتين a". والاستنتاج الذي ورد في الافتتاحية المرافقة والذي يقول: "تبقى النتائج السريرية في الوقت الحاضر محدودة جداً" هذه النتائج لا تعطي الدليل الكافي على أن الاختبارات الوراثية لموقع مورثة LPA أو عيار LP(a) في البلازما لهما دور في تحديد الاختطار القلبي الوعائي أو حتى اتخاذ القرار بخصوص تطبيق المعالجة الخافضة للشحوم". وفي السياق ذاته اقترح Clarke وزملاؤه أن البيانات " تقدم دعماً لدور LP(a)كمسبب"؛ دون أن يصادق على إجراء التحري. كذلك فإن الافتتاحية المرافقة من Kathiresan لحظت وبشكل صحيح أن المداخلة العلاجية التي تخفض تركيز LP(a) بشكل انتقائي تحتاج إلى الاختبار بتجارب سريرية عشوائية".
وهكذا، وبالاعتماد على الدلائل المتوفرة، يبدو أن EAS اتخذت قفزة كبيرة جداً بالمصادقة على التحري الواسع للــ LP(a).
إنَّ التوصية الإضافية للجمعية الأوروبية للتصلب العصيدي EAS بمعالجة ارتفاع LP(a) بالنياسين وبالإجماع؛ أضحت موضع تساؤل لأنه لا يوجد تجارب عشوائية تدعم هذه التعليمات الجديدة الناظمة في الممارسة. مع الاحترام لتوصيات EAS بالإجماع: فإنها تبدي وجود تكافؤ بالمعايير بين البروتين الشحمي a مقارنةً بالواصم الالتهابي hsCRP. إنَّ تقارير Clarke وزملاؤه وتقارير Kamstrup وزملاؤه تدعم الفرضية القائلة بأن زيادة تركيز LP(a) مرتبطة بزيادة اختطار الاحتشاء؛ غير أن النظرية تبقى مثيرة للجدل وغير مثبتة؛ وعلى الرغم من ذلك فإن تحري LP(a) والمعالجة حظيتا بدعم مُتسرِّع من EAS، وهذا التأييد مستند فقط على نتائج دراسات، عدة دراسات مشاهداتية، وليس على تجارب عشوائية! بالمقابل زودت بيانات JUPITER الدليل على أن المعالجة بالستاتين أنقصت تركيز كوليستيرول LDL؛ وأنقصت تركيز hsCRP؛ وأنقصت معدلات الموت والإعاقة العائدة لأسباب قلبية وعائية. بالإضافـة إلـى ذلك، بينت نتائـج الدراسـات المستقبلية لـ (PROVE-IT Pravastatin or Atorvastatin Evaluation and Infection Therapy) ودراسة A to Z "A" Aggrastat) (to "Z" Zocor trial وJUPITER أن المداخلات العلاجية التي تخفض hsCRP وتلك التي تخفض كوليستيرول LDLكلتاهما تسهم في تحسين المعطيات لدى المرضى المعالجين بالستاتينات. على خلاف تحري hsCRP والمعالجة بالستاتينات، اللذان يتمتعان بأساس متين في العلم السريري؛ فإن الدلائل التي تدعم تحري العيارات العالية من Lp(a) تبدو ضعيفةً، وفي الحقيقة إن الدليل على أفضلية المعالجة غير موجود، ومن الصعب أن نفهم تفضيل المعيار Lp(a) على hsCRP للتحري والمعالجة، فهو غير ملائم للعناية بالمريض، وهو مكلف للسياسة الصحية العامة، ومن المستحيل الدفاع عنه ما لم تكن التعليمات الناظمة مثبتة بالبرهان أكثر من كونها معتمدة على مجرد آراء. لقد حان الوقت لتبنِّي نظرة عادلة تُقيِّم مدى الاستفادة السريرية من الواصمات القلبية في التحري الوقائي؛ والحكم على كفاءة المعالجة المطبقة لتعديل التراكيز الزائدة لهذه الواصمات. إنَّ السؤال الذي يجب أن يجول بخاطر الأطباء عندما يقيّمون اختباراً جديداً؛ سؤال سهل للغاية: "هل هناك دليل على أن الناس الذين سيتم تحديدهم بهذا الواصم المختار سوف يستفيدون من المداخلات أو المعالجات التي بطريقة أو بأخرى لم يكونوا ليأخذوها"؟ والجواب بالنسبة hsCRP هو بكل قوة: "نعم".  
 
 
المجلد 6 , العدد 1 , ربيع الثاني 1432 - نيسان (أبريل) 2011

 
 
SCLA